السديس: العبادة ليست في المساجد فقط
إخبارية الحفير - متابعات عندما أردت الحديث عن ومع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وإمام وخطيب المسجد الحرام، حاولت الابتعاد عن الحديث عنه كـ (مسؤول) لأغوص في رؤيته كـ(عالم) و(مفكر) له رؤاه العلمية والفكرية كباحث وأكاديمي ومحاضر وخطيب.
ذلك أن الشيخ عبدالرحمن السديس، أحد العلماء والقراء والخطباء المفوهين والبلغاء المؤثرين، فضلا عن ما يتمتع من صفات التواضع والزهد وصفاء النفس، ولا يزوره أحد في بيته أو مكتبه إلا ولمس ذلك فيه، وحتى في رحلاته الدعوية إلى الكثير من البلدان في أنحاء العالم يلتقي أبناء المسلمين بوجه بشوش، يقابله منهم احترام وتقدير كعالم وإمام وخطيب للمسجد الحرام.
وبالتأكيد ما طرح اليوم ليس كل أفكار الشيخ عبدالرحمن السديس النيرة، فله رؤاه السديدة في الكثير من المحافل، وإنما هذه جزء يسير من تلك الآراء:
عبادة شاملة
** وعن المفهوم الشامل للعبادة، يقول الشيخ عبدالرحمن السديس:
ــ العبادة ليست في المساجد فقط، فأنت في بيتك في عبادة، وعند أهلك في عبادة، وفي مكتبك ووظيفتك وبيعك وشرائك في عبادة، وفي سوقك، وفي مجالستك الناس، كل ذلك في عبادة.
فعليك أن تخلص العمل لله عز وجل، وألا تغيب عنك العبادة طرفة عين، فلا نقصر العبادة على أداء الصلوات في المساجد فقط، ثم لا حرج على المسلم أن يعمل في بيته مع أولاده ومع أهله ما يشاء، أن يأكل من الأموال، ويتاجر بما يشاء!! لا. ليس هكذا عمل المسلمين.
المسلمون في مساجدهم في عبادة من أعظم العبادات، يترددون إليها؛ امتثالاً لأمر الله سبحانه وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، وكذلك خارج المساجد وهم في بيوتهم عليهم أن يقوموا بالتربية، وعليهم أن يقوموا بالتوجيه، ويحموا بيوتهم وأسرهم من الفساد ووسائله، وعليهم أن يربوا أبناءهم، ويرعوا نساءهم وبناتهم عما حرم الله عز وجل.
كذلك في معاملاتهم؛ في بيعهم وشرائهم، يجب عليهم أن يتحروا الحلال النـزيه الطيب، فإن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن اللقمة من الحرام يقذفها الرجل في جوفه، لا تقبل له صلاة أربعين يوما؛ فالأمر خطير يا إخوتي في الله!
فعلينا أن نستشعر أننا في عبادة دائمة، ولسنا في عبادة ما دمنا في بيوت الله، فإذا خرجنا منها تركنا عبادة الله.
فليست العبادة في المساجد أو في أوقات معينة، بل العبادة مع المسلم في كل أحواله، وفي كل أوقاته وتصرفاته، في أقواله وأفعاله، في سلوكه، في عقيدته، في تحركاته كلها، قال تعالى: (وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
كذلك ينبغي علينا أن نفهم أنه حينما تطلق العبادة فإنه يدخل فيها جميع الأقوال والأفعال والتصرفات، فلا نريد أن يدخل المسلمون بيوت الله، فيصلون ويقومون ويركعون ويسجدون ويبكون، فإذا خرجوا من بيوت الله -سبحانه وتعالى- رجعوا على أعقابهم وإلى أعمالهم، ونسوا الله سبحانه وتعالى.
فهذا المفهوم الذي نريد أن نعالجه، وننبه على خطورته علينا أن نستشعر أننا مخلوقون لله سبحانه، وأن علينا أن نقوم بعبادته جل وعلا في حياتنا كلها، وأن نستشعر طاعة الله سبحانه، وعبادته ومرضاته في كل فعل وترك.
الحوار منهج
** وعن المناهج الشرعية للحوار وخاصة (الحوار الدعوي) يؤكد الشيخ عبدالرحمن السديس:
ـ الحوار منهج شرعي، وأصل رباني، وفطرة فطر عليها الإنس والجان، ومن أجل أن تؤتى الحوارات أكلها، وينعم بخيرها أهلها، فلا بد فيها من مناهج شرعية، وآداب مرعية، يراعيها المحاور المغاور، واللبيب المساور.
فالدعوة إلى الله تعالى لا تتم إلا بالحوار والجدال بالتي هي أحسن، والمجادلة تشترك مع الحوار في كونها مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين إلا أنها تأخذ طابع القوة والخصومة. وليس الحوار مجرد تبادل للرأي بين طرفين أو أكثر، وإنما هو سلوك يقوم على مقومات تجعل منه عملية أخلاقية وفكرية هادفة.
الحوار سمة من سمات حضارتنا الإسلامية، ووجه مشرق متلألئ للشريعة الربانية، ولقد أثمرت الكثير من الحوارات عبر التاريخ الإسلامي في مجال الدعوة في تبيين كثير من الحقائق، وتبصير الناس للهدى والصواب، وأرشدتهم إلى المنهج القويم.
وللحوار الدعوي ثمرات كثيرة، وآثار وفيرة، منها: بيان محاسن الشريعة الإسلامية، تعزيز منهج الوسطية والاعتدال، الفهم الصحيح للإسلام.
أما الحوار الدعوي فله أهميته في الدعوة إلى الإسلام وإقامة الحجة على المخالفين، والرد على الشبهات المثارة ضد الإسلام، وبيان الحق من الباطل، ويبين للناس طريق الهدى من الضلال، ويميز طريق الإيمان عن طريق البغي والهلاك، وطريق الحق من الباطل.
التعصب للرأي
** وفي من يتعصب لرأيه وينتصر له أثناء الحوار، يقول الشيخ عبدالرحمن السديس عن ذلك:
ـ التعصب للرأي والانتصار له من أكبر معوقات الحوار، وينشأ أول ما ينشأ عن الجهل أو اتباع الهوى، وكما قيل الإنسان عدو ما يجهل، والذي يجادل عن جهل كأنما يتبع شيطانا مريدا، قال تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد).
والتعصب للرأي أساس العداوات والمخاصمات، لأن صاحبه يتكلم بغير علم ويتبع هواه، فتنفتح أبواب موصدة من الشر، وتنقلب الحال لحال لا تسر.
مكافحة الإرهاب
** وحول المقترحات لبرامج عمل لمكافحة الإرهاب، أوضح الشيخ عبدالرحمن السديس أنها تتخلص في:
ــ إنشاء قناة فضائية متخصصة للتصدي لظاهرة الإرهاب، قيام مشروع حضاري يعني ببيان إشراقات الدين وجمالياته ورفقه ورحمته ويسره، الاضطلاع بمشروع حضاري لعلاج ظاهرة الإرهاب، السعي إلى هيئة عليا تعنى بإعداد الخطط والاستراتيجيات الشاملة لمكافحتها ورصد المستجدات حيالها، تشكيل مجالس تنسيقية بين القطاعات الحكومية والأهلية، وتخصيص كليات جامعية وأكاديميات ومعاهد متخصصة تهتم بدراسة ظاهرة الإرهاب وفكرها المتطرف، العمل على طباعة ونشر الكتب المتخصصة في هذا المجال، إنشاء كراسي بحثية متخصصة لدراسة وعلاج الظاهرة، تفعيل مراكز ولجان المناصحة، دعم مراكز الأحياء في المجتمع وربطها بالجهات المعنية في كل منطقة، تربية الشباب على الوسطية والاعتدال، أخذ العلم الشرعي من مصادره الموثوقة، تهيئة الفرص الوظيفية للشباب وشغل أوقات فراغهم بالبرامج النافعة المتنوعة، تجلية الشبهات حول الغلو والتطرف، علاج ظواهر الانحراف التي تكون سببا للاستفزاز وردود الأفعال، تجفيف منابع الإرهاب واجتثاث الوسائل المغذية له، والتصدي لجميع ألوان الغزو الفكري.
الشخصية والقيم
** وفيما يتعلق بالقيم الإسلامية وما يعززها لدى الشباب المسلم، يقول الشيخ عبدالرحمن السديس:
ـ القيم الإسلامية هي معراج الروح لبناء الشخصية السوية العالمية، شخصية مباركة متماسكة، راسخة متناسقة، وجيهة غير متشاكسة، وأسوتنا المصطفى الحبيب -عليه الصلاة والسلام- المضمخ من القيم بأعظم الحظ والنصيب، كيف وقد ترقى بالإنسانية شطر الكمالات والمعالي.
إنا لنزجي للعالم الذي اعتسف كثيرا من القيم، وأبادها كالرمم، تذكيرا بلمع من شيمة الباهرة، وسيرته الطاهرة، فقد كان عليه الصلاة والسلام الصدق أليفه، والحلم حليفه، والعدل طريقه، والتواضع رفيقه، وإحقاق الحق رحيقه، والأمانة سجيته، والرحمة الفياضة فشيمته (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
ومن أهم ما يعزز القيم ويعلي الشيم في زمن التطاول عليها تربية النشء وتوجيه الجيل وشباب الأمة على التأسي والاقتداء بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ووجوب تعظيمه ومحبته، وتوقيره وطاعته، وطبعهم على إجلاله وإعظامه وذودهم عن بؤر الجنوح الفكري النزق، والتمرد الأرعن على الأصول الشرعية والقيم المرعِية.
فضائل نبوية
** وبالنسبة لأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم وكيفية اتباع تلك الأخلاق الكريمة من قبل أبناء الأمة، يقول الشيخ عبدالرحمن السديس:
ـ المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه قد نذر نفسه لتبليغ رسالة الله، والدعوة إليه والجهاد في سبيل الله، وقد أولى عمارة القلوب بتوحيد الله وتطهيرها من التعلق بغيره كل اهتمامه، ولقي في سبيل ذلك صنوف الأذى، فصبر وصابر، وأيقن بنصر الله له، وكلما اشتد عليه الأذى القولي والفعلي كلما ازداد حلما وصبرا وثقة بنصر الله، وكلما اشتد عليه الأذى، وكلما رماه قومه بالسحر والشعر والكهانة، ويوقعون به ألوانا من العذاب، لا يزيد على قوله: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
وإذا قلبت صفحة أخرى من حياته المباركة، وجدت السجايا الحميدة والأخلاق الكريمة (وإنك لعلى خلق عظيم)، قد تحلى بدماثة الخلق، ورجاحة العقل، وحصافة الرأي، وعلو الهمة، ورحابة الصدر، وكرم النفس، وصفته خديجة رضي الله عنها، مطمئنة له أول ما بعث، بقولها: «كلا! والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».
وكما أنه صاحب الأخلاق العالية، فهو صاحب العبادة الخاشعة، فقد قام من الليل حتى تفطرت قدماه، وصاحب الشجاعة النادرة، فقد قاد المعارك والغزوات لإعلاء كلمة الله.
فالواجب على كل محب له، أن يجعل منه القدوة الحسنة، في العقيدة والإيمان، وفي العبادة، والأخلاق، والمعاملة، وفي التربية، والسلوك، والدعوة، والجهاد، ويأخذ منه الأسوة في البيت، والمسجد، والسوق وغيرها، فما عز الناس وصلحوا إلا يوم كانوا يتحرون القدوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
تصحيح المفاهيم
** أما عن دور المسلمين وخاصة العلماء والدعاة في تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الآخر وجور الإعلام الإسلامي في ذلك، يقول الشيخ عبدالرحمن السديس:
ـ على المسلمين جميعا أن يبذلوا لدينهم؛ لأن الناس متعطشون لغذاء الروح بعد أن ملوا التفنن بغذاء الأبدان لا سيما في العالم الغربي.
وعلى العلماء والدعاة إلى الله وأهل الخير والصلاح من أهل الكفاءة العلمية، أن يسهموا في زيارات الدعوة والتوجيه لما لها من الأثر الفاعل على جميع الصعد، تصحيحا في المناهج، وتقوية للأواصر، وتشجيعا للمسلمين في كل مكان، وتحسيسا لهم بمكانتهم ودورهم ومكانة بلد الإسلام التي يشعرون أنها تهتم بهم وترعى شؤونهم وتشاطرهم آلامهم وآمالهم، وبالتالي سد الباب أمام كل من يريد الاصطياد في الماء العكر، من أصحاب الاتجاهات المنحرفة، والمسالك الضالة، والمشارب المشبوهة.
كما أن من أهم الأعمال الملحة في عصرنا الحاضر، العمل على إيجاد قنوات إعلامية إسلامية، تبث الدعوة إلى الله ومحاسن الدين بلغات شتى؛ لأن الإعلام اليوم في العالم كله يلعب دورا كبيرا في التأثير على جميع الفئات، وإن من المؤسف حقا ألا تجد للإسلام إلا صوتا خافتا في بعضها، مما يتطلب من المعنيين بشئون المسلمين، لا سيما أهل الثراء والمال، وذوي اليسار ورجال الأعمال، أن يسهموا بسد هذه الثغرة أداء للواجب عليهم تجاه دينهم وأمتهم.
ذلك أن الشيخ عبدالرحمن السديس، أحد العلماء والقراء والخطباء المفوهين والبلغاء المؤثرين، فضلا عن ما يتمتع من صفات التواضع والزهد وصفاء النفس، ولا يزوره أحد في بيته أو مكتبه إلا ولمس ذلك فيه، وحتى في رحلاته الدعوية إلى الكثير من البلدان في أنحاء العالم يلتقي أبناء المسلمين بوجه بشوش، يقابله منهم احترام وتقدير كعالم وإمام وخطيب للمسجد الحرام.
وبالتأكيد ما طرح اليوم ليس كل أفكار الشيخ عبدالرحمن السديس النيرة، فله رؤاه السديدة في الكثير من المحافل، وإنما هذه جزء يسير من تلك الآراء:
عبادة شاملة
** وعن المفهوم الشامل للعبادة، يقول الشيخ عبدالرحمن السديس:
ــ العبادة ليست في المساجد فقط، فأنت في بيتك في عبادة، وعند أهلك في عبادة، وفي مكتبك ووظيفتك وبيعك وشرائك في عبادة، وفي سوقك، وفي مجالستك الناس، كل ذلك في عبادة.
فعليك أن تخلص العمل لله عز وجل، وألا تغيب عنك العبادة طرفة عين، فلا نقصر العبادة على أداء الصلوات في المساجد فقط، ثم لا حرج على المسلم أن يعمل في بيته مع أولاده ومع أهله ما يشاء، أن يأكل من الأموال، ويتاجر بما يشاء!! لا. ليس هكذا عمل المسلمين.
المسلمون في مساجدهم في عبادة من أعظم العبادات، يترددون إليها؛ امتثالاً لأمر الله سبحانه وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، وكذلك خارج المساجد وهم في بيوتهم عليهم أن يقوموا بالتربية، وعليهم أن يقوموا بالتوجيه، ويحموا بيوتهم وأسرهم من الفساد ووسائله، وعليهم أن يربوا أبناءهم، ويرعوا نساءهم وبناتهم عما حرم الله عز وجل.
كذلك في معاملاتهم؛ في بيعهم وشرائهم، يجب عليهم أن يتحروا الحلال النـزيه الطيب، فإن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن اللقمة من الحرام يقذفها الرجل في جوفه، لا تقبل له صلاة أربعين يوما؛ فالأمر خطير يا إخوتي في الله!
فعلينا أن نستشعر أننا في عبادة دائمة، ولسنا في عبادة ما دمنا في بيوت الله، فإذا خرجنا منها تركنا عبادة الله.
فليست العبادة في المساجد أو في أوقات معينة، بل العبادة مع المسلم في كل أحواله، وفي كل أوقاته وتصرفاته، في أقواله وأفعاله، في سلوكه، في عقيدته، في تحركاته كلها، قال تعالى: (وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
كذلك ينبغي علينا أن نفهم أنه حينما تطلق العبادة فإنه يدخل فيها جميع الأقوال والأفعال والتصرفات، فلا نريد أن يدخل المسلمون بيوت الله، فيصلون ويقومون ويركعون ويسجدون ويبكون، فإذا خرجوا من بيوت الله -سبحانه وتعالى- رجعوا على أعقابهم وإلى أعمالهم، ونسوا الله سبحانه وتعالى.
فهذا المفهوم الذي نريد أن نعالجه، وننبه على خطورته علينا أن نستشعر أننا مخلوقون لله سبحانه، وأن علينا أن نقوم بعبادته جل وعلا في حياتنا كلها، وأن نستشعر طاعة الله سبحانه، وعبادته ومرضاته في كل فعل وترك.
الحوار منهج
** وعن المناهج الشرعية للحوار وخاصة (الحوار الدعوي) يؤكد الشيخ عبدالرحمن السديس:
ـ الحوار منهج شرعي، وأصل رباني، وفطرة فطر عليها الإنس والجان، ومن أجل أن تؤتى الحوارات أكلها، وينعم بخيرها أهلها، فلا بد فيها من مناهج شرعية، وآداب مرعية، يراعيها المحاور المغاور، واللبيب المساور.
فالدعوة إلى الله تعالى لا تتم إلا بالحوار والجدال بالتي هي أحسن، والمجادلة تشترك مع الحوار في كونها مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين إلا أنها تأخذ طابع القوة والخصومة. وليس الحوار مجرد تبادل للرأي بين طرفين أو أكثر، وإنما هو سلوك يقوم على مقومات تجعل منه عملية أخلاقية وفكرية هادفة.
الحوار سمة من سمات حضارتنا الإسلامية، ووجه مشرق متلألئ للشريعة الربانية، ولقد أثمرت الكثير من الحوارات عبر التاريخ الإسلامي في مجال الدعوة في تبيين كثير من الحقائق، وتبصير الناس للهدى والصواب، وأرشدتهم إلى المنهج القويم.
وللحوار الدعوي ثمرات كثيرة، وآثار وفيرة، منها: بيان محاسن الشريعة الإسلامية، تعزيز منهج الوسطية والاعتدال، الفهم الصحيح للإسلام.
أما الحوار الدعوي فله أهميته في الدعوة إلى الإسلام وإقامة الحجة على المخالفين، والرد على الشبهات المثارة ضد الإسلام، وبيان الحق من الباطل، ويبين للناس طريق الهدى من الضلال، ويميز طريق الإيمان عن طريق البغي والهلاك، وطريق الحق من الباطل.
التعصب للرأي
** وفي من يتعصب لرأيه وينتصر له أثناء الحوار، يقول الشيخ عبدالرحمن السديس عن ذلك:
ـ التعصب للرأي والانتصار له من أكبر معوقات الحوار، وينشأ أول ما ينشأ عن الجهل أو اتباع الهوى، وكما قيل الإنسان عدو ما يجهل، والذي يجادل عن جهل كأنما يتبع شيطانا مريدا، قال تعالى: (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد).
والتعصب للرأي أساس العداوات والمخاصمات، لأن صاحبه يتكلم بغير علم ويتبع هواه، فتنفتح أبواب موصدة من الشر، وتنقلب الحال لحال لا تسر.
مكافحة الإرهاب
** وحول المقترحات لبرامج عمل لمكافحة الإرهاب، أوضح الشيخ عبدالرحمن السديس أنها تتخلص في:
ــ إنشاء قناة فضائية متخصصة للتصدي لظاهرة الإرهاب، قيام مشروع حضاري يعني ببيان إشراقات الدين وجمالياته ورفقه ورحمته ويسره، الاضطلاع بمشروع حضاري لعلاج ظاهرة الإرهاب، السعي إلى هيئة عليا تعنى بإعداد الخطط والاستراتيجيات الشاملة لمكافحتها ورصد المستجدات حيالها، تشكيل مجالس تنسيقية بين القطاعات الحكومية والأهلية، وتخصيص كليات جامعية وأكاديميات ومعاهد متخصصة تهتم بدراسة ظاهرة الإرهاب وفكرها المتطرف، العمل على طباعة ونشر الكتب المتخصصة في هذا المجال، إنشاء كراسي بحثية متخصصة لدراسة وعلاج الظاهرة، تفعيل مراكز ولجان المناصحة، دعم مراكز الأحياء في المجتمع وربطها بالجهات المعنية في كل منطقة، تربية الشباب على الوسطية والاعتدال، أخذ العلم الشرعي من مصادره الموثوقة، تهيئة الفرص الوظيفية للشباب وشغل أوقات فراغهم بالبرامج النافعة المتنوعة، تجلية الشبهات حول الغلو والتطرف، علاج ظواهر الانحراف التي تكون سببا للاستفزاز وردود الأفعال، تجفيف منابع الإرهاب واجتثاث الوسائل المغذية له، والتصدي لجميع ألوان الغزو الفكري.
الشخصية والقيم
** وفيما يتعلق بالقيم الإسلامية وما يعززها لدى الشباب المسلم، يقول الشيخ عبدالرحمن السديس:
ـ القيم الإسلامية هي معراج الروح لبناء الشخصية السوية العالمية، شخصية مباركة متماسكة، راسخة متناسقة، وجيهة غير متشاكسة، وأسوتنا المصطفى الحبيب -عليه الصلاة والسلام- المضمخ من القيم بأعظم الحظ والنصيب، كيف وقد ترقى بالإنسانية شطر الكمالات والمعالي.
إنا لنزجي للعالم الذي اعتسف كثيرا من القيم، وأبادها كالرمم، تذكيرا بلمع من شيمة الباهرة، وسيرته الطاهرة، فقد كان عليه الصلاة والسلام الصدق أليفه، والحلم حليفه، والعدل طريقه، والتواضع رفيقه، وإحقاق الحق رحيقه، والأمانة سجيته، والرحمة الفياضة فشيمته (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
ومن أهم ما يعزز القيم ويعلي الشيم في زمن التطاول عليها تربية النشء وتوجيه الجيل وشباب الأمة على التأسي والاقتداء بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ووجوب تعظيمه ومحبته، وتوقيره وطاعته، وطبعهم على إجلاله وإعظامه وذودهم عن بؤر الجنوح الفكري النزق، والتمرد الأرعن على الأصول الشرعية والقيم المرعِية.
فضائل نبوية
** وبالنسبة لأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم وكيفية اتباع تلك الأخلاق الكريمة من قبل أبناء الأمة، يقول الشيخ عبدالرحمن السديس:
ـ المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه قد نذر نفسه لتبليغ رسالة الله، والدعوة إليه والجهاد في سبيل الله، وقد أولى عمارة القلوب بتوحيد الله وتطهيرها من التعلق بغيره كل اهتمامه، ولقي في سبيل ذلك صنوف الأذى، فصبر وصابر، وأيقن بنصر الله له، وكلما اشتد عليه الأذى القولي والفعلي كلما ازداد حلما وصبرا وثقة بنصر الله، وكلما اشتد عليه الأذى، وكلما رماه قومه بالسحر والشعر والكهانة، ويوقعون به ألوانا من العذاب، لا يزيد على قوله: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
وإذا قلبت صفحة أخرى من حياته المباركة، وجدت السجايا الحميدة والأخلاق الكريمة (وإنك لعلى خلق عظيم)، قد تحلى بدماثة الخلق، ورجاحة العقل، وحصافة الرأي، وعلو الهمة، ورحابة الصدر، وكرم النفس، وصفته خديجة رضي الله عنها، مطمئنة له أول ما بعث، بقولها: «كلا! والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».
وكما أنه صاحب الأخلاق العالية، فهو صاحب العبادة الخاشعة، فقد قام من الليل حتى تفطرت قدماه، وصاحب الشجاعة النادرة، فقد قاد المعارك والغزوات لإعلاء كلمة الله.
فالواجب على كل محب له، أن يجعل منه القدوة الحسنة، في العقيدة والإيمان، وفي العبادة، والأخلاق، والمعاملة، وفي التربية، والسلوك، والدعوة، والجهاد، ويأخذ منه الأسوة في البيت، والمسجد، والسوق وغيرها، فما عز الناس وصلحوا إلا يوم كانوا يتحرون القدوة الحسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
تصحيح المفاهيم
** أما عن دور المسلمين وخاصة العلماء والدعاة في تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الآخر وجور الإعلام الإسلامي في ذلك، يقول الشيخ عبدالرحمن السديس:
ـ على المسلمين جميعا أن يبذلوا لدينهم؛ لأن الناس متعطشون لغذاء الروح بعد أن ملوا التفنن بغذاء الأبدان لا سيما في العالم الغربي.
وعلى العلماء والدعاة إلى الله وأهل الخير والصلاح من أهل الكفاءة العلمية، أن يسهموا في زيارات الدعوة والتوجيه لما لها من الأثر الفاعل على جميع الصعد، تصحيحا في المناهج، وتقوية للأواصر، وتشجيعا للمسلمين في كل مكان، وتحسيسا لهم بمكانتهم ودورهم ومكانة بلد الإسلام التي يشعرون أنها تهتم بهم وترعى شؤونهم وتشاطرهم آلامهم وآمالهم، وبالتالي سد الباب أمام كل من يريد الاصطياد في الماء العكر، من أصحاب الاتجاهات المنحرفة، والمسالك الضالة، والمشارب المشبوهة.
كما أن من أهم الأعمال الملحة في عصرنا الحاضر، العمل على إيجاد قنوات إعلامية إسلامية، تبث الدعوة إلى الله ومحاسن الدين بلغات شتى؛ لأن الإعلام اليوم في العالم كله يلعب دورا كبيرا في التأثير على جميع الفئات، وإن من المؤسف حقا ألا تجد للإسلام إلا صوتا خافتا في بعضها، مما يتطلب من المعنيين بشئون المسلمين، لا سيما أهل الثراء والمال، وذوي اليسار ورجال الأعمال، أن يسهموا بسد هذه الثغرة أداء للواجب عليهم تجاه دينهم وأمتهم.