وزير الزراعة: الاستيراد ليس عيباً ولا عاراً
إخبارية الحفير - متابعات دافع معالي وزير الزراعة الدكتور فهد بن عبدالرحمن بالغنيم عن استيراد منتجات زراعية وأعلاف من الخارج؛ لأن المملكة لا تملك المقومات اللازمة لزراعتها، موضحا في الجزء الثاني من حديثه للصحيفة أن الدولة لم توقف زراعة القمح، وإنما دعمت استيراده من الخارج لارتفاع التكلفة وكمية المياه المستخدمة في زراعته، وأن الأمر ذاته ينطبق على الأعلاف الخضراء، وطالب الوزير بالغنيم بضرورة توعية المزارعين لاستخدام الأعلاف المركبة لفوائدها التي تفوق فوائد الأعلاف الخضراء في تربية الثروة الحيوانية.. فإلى الحوار:
توقفنا في الجزء الأول من الحوار عند موضوع زراعة القمح، هلا شرحت لنا لماذا أوقفت أو قلصت الدولة دعم زراعة القمح محليا، وكيف نفهم أن قرارا مثل هذا يمكن أن يعود بالنفع على المزارعين؟
بالنسبة لموضوع القمح، كنت أود أن أستدل بأمثلة، فعندما تقول: لماذا نوقف القمح ونعتمد على الاستيراد بدلا من أن نعتمد على الإنتاج، دعني أسأل: لماذا نستورد طائرات؟ لماذا لا ننتجها؟ ببساطة؛ لأننا لا نملك كل المقومات اللازمة لصناعة الطائرات، نحن نستورد كل شيء في هذا البلد، فلماذا توقفنا عند القمح وسألنا لماذا نستورده؟! لأنه أمن غذائي، ولكن إذا أنتجت القمح هل تستطيع الاستمرار في إنتاجه؟ وإذا أنتجت القمح كيف ستنتج السكر وكيف ستنتج الأرز؟ لأنها كلها محاصيل غذائية مطلوبة، والنقطة الرئيسية أنه لإنتاج أي شيء تتطلب له مدخلات معينة لتتمكن من إنتاجه، إذا أردت أن تنتج طائرة ــ مثلا ــ تحتاج إلى علم، وتحتاج إلى مواد أولية معدنية، وتحتاج إلى صناعات صغيرة، مثلا تحتاج إلى مضخة فلا بد أن يكون لديك إمكانات صناعتها وهكذا، ولكي تنتج القمح يجب أن تتوفر لديك مدخلات رئيسية، يجب أن تتوفر لديك أرض زراعية، خبرة، علم، بذور، ومياه، وهنا نصل إلى المحك الرئيسي وهو المياه، هل لدينا مياه كافية لزراعة ثلاثة ملايين طن قمح بالإضافة إلى المحاصيل الأخرى؟ من يجيب على هذا السؤال؟ بالتأكيد يجيب عليه جهات الاختصاص، ومن هي جهات الاختصاص؟ بالتأكيد هي وزارة المياه والكهرباء، وهي تقول بوضوح وبلغة الأرقام إنه لا توجد عندنا مخازين مياه كافية للاستمرار في زراعة القمح في الوقت الحالي، ولذلك اتخذت الدولة قرارا واضحا وأعطت الأولوية للأمن المائي قبل الأمن الغذائي لأنه يمكن لنا أن نستورد الغذاء من الخارج، ولكن من الصعب جدا أن تستورد مياه لتستخدمها في الزراعة؛ لأن كمية المياه اللازمة لإنتاج طن واحد من القمح كمية كبيرة جدا، فمن باب أولى أن تستورد القمح، ولذلك أصدرت الدولة قرارها، والدولة لم تمنع زراعة القمح لنكون واضحين، فالدولة قالت بأنها ستتولى استيراد القمح من الخارج وتبيعه بسعر مدعوم.
التنافس مع الدولة
ولكنك بهذا المنطق تكون قد حولت المزارع البسيط إلى منافس مع الدولة.. أليس كذلك؟
لا، لأنه لن يقدر على المنافسة فيوقف هو الزراعة وليست الدولة.
لكن ما البديل في هذه الحالة، هل هي الأعلاف؟
لا، بالعكس الأعلاف تستهلك مياها أكثر من القمح.
حتى فترة زراعتها أطول من القمح، أليس كذلك؟
هذا صحيح، فترة زراعتها أطول تستمر طوال العام، مثلا البرسيم تزرعه وكل شهر تحصده مرة واحدة، ثم ينمو وتحصده مرة أخرى طيلة العام، فمحاصيل الأعلاف الخضراء تستهلك أضعاف ما يستهلكه القمح، ولكن هل الدولة ترغب في زراعة الأعلاف؟ بالتأكيد لا ترغب، إذا ماذا عملت الدولة؟ نعود للآليات، فالدولة تعمل آليات ولا تعمل بأسلوب المنع، فالدولة قالت إنها ستقدم إعانة للأعلاف المستوردة من الخارج، وأصدرت الدولة قرار مجلس الوزراء عام 1429هـ، باعتماد الخطة الوطنية لدعم مدخلات الأعلاف، وهذا يعني أنك الآن إذا كنت تستورد مدخلات أعلاف من الخارج فإن الدولة ستدعمك بـ50 في المائة من التكلفة، إذا استوردت ذرة صفراء لتستخدمها كعلف فإن الدولة تدفع لك نصف قيمة الاستيراد، وهذا دعم لصناعة الأعلاف المركبة.
الأعلاف المركبة
ولماذا الأعلاف المركبة؟
هذا موضوع مهم جدا أن نوعي الناس بشأنه، وبشأن أسلوب التعامل مع الثروة الحيوانية في المملكة، والتركيز على ضرورة استخدام الأعلاف المركبة، يعني عندما تأتي وتطعم الحيوانات ــ كما يسمونها لدينا في البلد «مكعبات» ــ وهي «الأعلاف المركبة» ومدخلاتها، وسأشرحها لك على هذا النموذج (أطلعنا على النموذج المرفق صورته)، مثلا البرسيم يأتي مضغوطا، وكذلك الشعير، والمولاسس الذي يحتوي على الدبس، ومسحوق قصب الصويا الذي ينتج عن عصر بذرة الصويا وتضم مخلفاتها وهي غنية بالبروتين حوالي 48 في المائة، وهي المصدر الرئيسي للبروتين، وأملاح وبروتينات، والذرة الصفراء، والنخالة.
وهل هذه الأعلاف المركبة أو المضغوطة أفضل من الأعلاف الخضراء.
مليون في المائة أفضل، وللأسف الشديد أن الكثير من «أصحاب الحلال» يعلفون على شعير وبرسيم، والشعير جيد والبرسيم كذلك، ولكنه لا يعطي الغذاء المتكامل، تخيل أن شخصا اعتاد طيلة عمره على أكل الرز واللحم، الرز جيد وفيه بروتين وسعرات حرارية، واللحم كذلك وفيه بروتين وحديد وغيرها، ولكن الاعتماد عليهما وحدهما غير جيد؛ لأن الجسم يحتاج إلى عناصر أخرى توفرها له الأغذية الأخرى، لذلك نقول أن العلف المركب هو الأساس في التعليف، ولذلك بدأنا بالتنسيق مع مصانع الأعلاف الموجودة وعملنا حملة توعوية كانت رائعة، ونسبة الناس الذين تحولوا لاستخدام الأعلاف المركبة عدد هائل جدا، وأصبح الآن الطلب على الأعلاف المركبة يمثل ضغطا، ولذلك نلاحظ أن مصانع الأعلاف بدأت تتوسع، وهذا مؤشر رائع جدا، وأصبح لدينا وعي في المجتمع، ولكن لا يزال هناك بعض أناس يريدون الشعير والبرسيم، بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض مربي الماشية يريدون أن يغذوا حيواناتهم بالشعير ولكنهم يريدون مادة مالئة، والبرسيم مادة مالئة ممتازة والأجبان كذلك، وهذا السبب في أن هناك توجها لزراعة الأعلاف الخضراء.
دعنا نعود إلى الخطة الوطنية لزراعة الأعلاف، فالدولة تدعم مدخلات الأعلاف بحيث أن المواطن يكون عنده وعي بأنه لصحة الحيوانات التي يملكها عليه استخدام الأعلاف المركبة، وتدريجيا سوف يقلل من الطلب على الأعلاف الخضراء، وتنحسر زراعتها في المملكة، ونحن نعمل الآن ــ بإذن الله ــ على زيادة الدعم حتى للبرسيم المستورد.
بكم تدعم الدولة الأعلاف؟
تدعمها بـ50 في المائة.
أسعار الأعلاف
ولكني أعتقد أن هناك مشكلة في أسعار بيع كيس العلف، حيث يباع بـ 42 45 ريالا، فيما المفترض أن يصل إلى 70 ريال، أليس كذلك؟
بالعكس، لو لم يكن هناك دعم لوصل كيس العلف إلى 75 80 ريالا، ولو أخذنا أسعار حبوب رئيسية، وهناك جدول أعد عام 2005 لو قارناه بأسعار الحبوب الآن لوجدنا ارتفاعا قد يصل في بعض الحبوب إلى 300 في المائة عما كان عليه سابقا، ولكن في المتوسط لا يقل عن 120 130 في المائة، ومعظم الحبوب تضاعفت أسعارها، ولذلك نلاحظ زيادة السعر الموجود لدينا في الأعلاف؛ بسبب الزيادة في الأسعار العالمية، وهناك مقولة يقولها الكثير من الناس ومن الضروري أن نوضحها، وهي أنه «لا يستفيد من الإعانة إلا التجار، وأن الإعانة لا تمرر إلى المستهلك»، وأنا أعتقد أن هذا الكلام مؤذٍ، إذا لم يكن مستندا إلى أدلة وبراهين، ومن لديه الأدلة والبراهين فليتقدم بها، ونحن دورنا ــ كمسؤولين حكوميين ــ أن نعطي الأدلة التي عندنا، ونحن نقول مثلا فيما يتعلق بالأعلاف، إن المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق، وهي جهة حكومية وليست ربحية، تنتج أعلافا كتلك التي تنتجها المصانع الخاصة بالضبط، وتبيعها بسعر مدعوم، وللعلم فإن إنتاج المؤسسة لا يمثل إلا 10 في المائة من إنتاج المصانع الخاصة، وهذا إنتاج قليل، لكن المؤسسة تبيعه بسعر مدعوم، وسعر مبالغ في تخفيضه، ليس سعرا واقعيا، وليس سعرا صحيحا، بمعنى أننا عندها نقول إذا كانت الصوامع تبيع بـ 20 ريالا، لماذا تبيع المصانع بـ40 ريالا؟ لأن الدولة تدعم بزيادة عن الدعم الذي تتلقاه المصانع الخاصة، فاتفقنا بناء على طلب من وزارة التجارة والصناعة لأنها المسؤولة عن الأسعار وتريد أن تتأكد من أن الدعم الذي تقدمه الدولة لمدخلات الأعلاف موجود بالفعل في سعر كيس العلف الذي يباع، فطلبت من المؤسسة العامة للصوامع أن تعطيها مؤشرا للتكلفة، ولماذا طلبت من الصوامع؟ لأن الصوامع بيت خبرة وتمارس العمل، ولذلك نحن نرسل بشكل دوري لوزارة التجارة والصناعة مؤشرا لتكلفة إنتاج الأعلاف، ولو أن مصانع الأعلاف تبيع بأسعار مبالغ فيها لوجدت أن وزارة التجارة والصناعة أوقفتهم عند حدهم، ولذلك ليس صحيحا أن مصانع الأعلاف لا تمرر الإعانة إلى المستهلك.
كيف، إذن، يذهب للمصانع التي تبيع بسعر أعلى من سعر الصوامع؟
لأن إنتاج الصوامع لا يكفي، ولا يتعدى 10 في المائة كما قلت لك، وأغلب الناس يريدون أن يشتروا من الصوامع، لذلك توجهنا ولله الحمد لدعم الجمعيات التعاونية الزراعية والحيوانية من خلال ترك تسويق منتجات الصوامع لها.
الجمعيات التعاونية
هل أنت راضٍ عن أداء الجمعيات التعاونية؟
هناك جمعيات رائعة بكل المقاييس ونفتخر بها، ولكن كمحصلة عامة فإن توقعاتنا في الوزارة وتطلعاتنا أكثر بكثير مما هو موجود الآن، لكن يعلم الله أن قناعتنا أنها تسير في الطريق الصحيح ولكن ببطء، ونريد له أن يكون أسرع.
الاستثمار في الخارج
ماذا عن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي في الخارج، بلغة الأرقام، هل حققت أهدافها من حيث تقليل التكلفة والوفر المائي، وهناك من يقول إن الاستثمار الزراعي في الخارج يؤدي إلى تهجير الزراعة وتقليص الرقعة الخضراء، ما يؤدي إلى زيادة نسبة التصحر، بماذا ترد على ذلك؟
هذا الكلام خطير جدا في محتواه ويحتاج إلى إيضاح، مثلا كثير من الناس يقولون: لماذا الدولة تهجر الزراعة وتصحر البلاد، ولكن دعونا نعود إلى الأبجديات «A,B,C»، لا تنزل إلي من الدور الـ 50 وأنت لم تنتهِ من بناء الدور الأول بعد، دعونا نبني الأساس أولا، ونحن جميعا أناس لدينا فكر، وجميعنانحب هذه البلد، دعونا نعود للأساس، هل المقومات الأساسية المطلوبة للزراعة تمكننا من الاستمرار؟ نحن نفتخر في المملكة، أنا كمواطن أفتخر عندما أسافر بالطائرة من الرياض إلى الجوف مثلا، وأطل من نافذة الطائرة وأشاهد الدوائر الخضراء، بصراحة «توسع الصدر»، وقبل 40 عاما كانت صحاري وقفارا «حتى الذئب لا يعوي فيها»، والآن اللهم لك الحمد دوائر خضراء ثبتت التربة وثبتت المواطنين ووفرت لهم باب رزق، وهذه نعمة من الله، ولكن من الذي يعلم؟ بالتأكيد جهة الاختصاص، لا بد أن نثق في جهة الاختصاص وفي قرار ولي الأمر الذي من المستحيل أن يأمر بشيء فيه مضرة للوطن «أعوذ بالله»، وبوضوح يجب علينا أن نعزز من ثقة المواطن في قرار ولي الأمر، وحتى لا ندخل في متاهة كبيرة، ولذلك نقول إن الأساس أن مصادرنا المائية على حسب ما نعلمه من جهات الاختصاص لا تكفي لاستمرار الجهد الزراعي بما كان عليه سابقا، فنحن نتوسع سنويا، في القمح مثلا نزيد سنويا خمسة في المائة، بمعنى أنه خلال 20 عاما لا بد أن نزيده 100 في المائة، فهل نحن قادرون على الاستمرار بهذا الشكل؟ هل نقدر على الاستمرار في زراعة الأعلاف؟ هل نقدر على تلبية جميع احتياجاتنا من الأغنام والإبل والماشية في المملكة؟ بالتأكيد نحن لا نستطيع؛ لأننا إذا ربيناها لا بد أن نستورد الأعلاف من الخارج؛ لأننا لا نستطيع زراعة كمية الأعلاف المطلوبة، فالتقديرات تشير إلى أننا نحتاج إلى 15 مليون طن أعلاف خضراء وغيرها لتغذية الماشية، فهل نحن قادرون على توفيرها من داخل البلد؟ بالتأكيد لا نستطيع، ولذلك الدولة لم تهجر الزراعة، والدولة لم تصحر الأراضي، والدولة لم تلغِ الزراعة المحلية، نحن نقول إنه لدينا إمكانيات واضحة، ونحن نريد تنمية الزراعة المحلية ولكن ننميها بأسلوب مستدام، ولذلك ثقافتنا وفكرنا وكلامنا الآن في الوزارة تركز كلها على كلمة «مستدام»، لأننا يجب أن نحرص على أن أي عمل نقوم به تتوفر فيه صفة الاستدامة ــ بإذن الله سبحانه وتعالى، وهذه نقطة مهمة جدا لا بد من التركيز عليها، لأن الدولة لم تهمش القطاع الزراعي المحلي، انظر إلى ميزانية وزارة الزراعة أصلا، انظر إلى القروض التي يعطيها صندوق التنمية الزراعية، انظر إلى النمو الذي يحدث الآن في إنشاء مشاريع البيوت المحمية، ورئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الزراعية يقول إنه لا يكاد يمر علينا اجتماع واحد دون أن يكون فيه بناء لمشاريع البيوت المحمية، وهناك نمو كبير الآن في بنائها، ولدينا نمو في إنشاء مشاريع الدواجن، ولذلك هناك أعمال زراعية يمكن القيام بها داخل المملكة فيها تنمية للقطاع الزراعي، لكن يجب علينا أن نكون حذرين عند زراعة المحاصيل التي تسبب استنزافا للمياه.
الاستيراد مكمل
ما هو الحل، أو ما هو البديل الذي يتضمن نمو متوازن في المياه وفي الزراعة في نفس الوقت؟
يجب علينا أن نبحث عن مكمل، ولذلك قالت الدولة إن المكمل هو الاستيراد من الخارج بكل وضوح، حالنا حال القطاعات الأخرى، لا يوجد قطاع اكتفاء ذاتي، حتى في قطاع البترول نحن نستورد ديزل من الخارج، لأن استهلاكنا أكثر من إنتاجنا، ولذلك الاستيراد ليس عيبا وليس عارا، لماذا نتعامل مع الاستيراد في مصطلحاتنا وكأنه عار علينا؟! كل الدول تستورد، الاستيراد أصبح الآن مكملا للإنتاج المحلي، بالإضافة إلى ذلك تتذكر في عام 2008م أنه كان هناك أزمة غذاء عالمية، وكانت نفس السنة التي قررت فيها الدولة أن تقلص من إنتاج القمح المحلي، فجاء في وقت غير مناسب، حيث أن العالم يحتاج إلى زيادة إنتاجه الزراعي قررنا في المملكة التقليص بسبب وضعنا المائي، والملك عبدالله بن عبدالعزيز جزاه الله خيرا قال: يا إخوان نحن عندنا إمكانيات علمية وإدارية ورؤوس أموال ورجال أعمال أثبتوا جدارتهم في بلدهم في الإنتاج الزراعي، فدعونا نشجعهم ليستثمروا في الخارج، في المناطق التي فيها المقومات الرئيسية المطلوبة للزراعة من تربة، مياه، وعمالة، وبالفعل هذا ما حدث وسميت بمبادرة الملك عبدالله، وبالطبع الاستثمار الزراعي في الخارج ليس بالشيء الجديد، من زمن بعيد وهناك مستثمرون سعوديون في الخارج، ولكننا وصلنا إلى مرحلة تحتاج العملية فيها إلى تقنين، وإلى دعم للمستثمر، وإلى حمايته، وإلى تحديد العلاقات فيما بين الدولة والمستثمر، ولذلك عملت المبادرة، والتي من مكوناتها أربع جهات حكومية، هي: وزارة الخارجية، وزارة المالية، وزارة الزراعة، ووزارة التجارة والصناعة، وعملوا المتطلبات الأساسية، منها: صدور قرار من مجلس الوزراء يحدد آلية التمويل وربطها بصندوق التنمية الزراعية، إنشاء شركة وطنية للاستثمار الزراعي والحيواني في الخارج اسمها «سالك» برأسمال 3 آلاف مليون ريال، وعين لها مجلس إدارة بدأ في ممارسة أعماله، وهؤلاء سيكونون ذراع الدولة للاستثمار من خلال الدخول في شراكات استراتيجية أو توقيع العقود للشراء المباشر من المستثمرين، عمل اتفاقية إطارية للتعاون ما بين الدول وتم التوقيع عليها بين وزارة الخارجية وفيتنام والسودان وإثيوبيا، ونحن في اللمسات الأخيرة لتوقيعها مع أوكرانيا وبلغاريا، وكل هذا العمل يهدف إلى تشجيع المستثمر السعودي لكي يذهب بما أصبح لديه من علم وتقانة وأساليب إدارية ورؤوس أموال ليستثمر في الخارج والدولة سوف تدعمه، وتعطيه قروضا بأسلوب مقنن ومحدد لمنح القروض، وتبحث بعدها في إمكانية شراء المحاصيل منه، ونحرص على أن تكون الاستثمارات السعودية في الخارج استثمارات مسؤولة، بمعنى أن تكون الاستثمارات نافعة للبلد المستضيف لها، ولذلك نجد الآن دولا تأتي إلينا بالاسم تطلب من وزارة الزراعة أن نحفز القطاع الزراعي عندنا للاستثمار في بلدانهم، وهذا يدل على ثقة هذه الدول في المملكة كحكومة وكقطاع استثماري، وهذه نعمة من الله.
عكاظ
توقفنا في الجزء الأول من الحوار عند موضوع زراعة القمح، هلا شرحت لنا لماذا أوقفت أو قلصت الدولة دعم زراعة القمح محليا، وكيف نفهم أن قرارا مثل هذا يمكن أن يعود بالنفع على المزارعين؟
بالنسبة لموضوع القمح، كنت أود أن أستدل بأمثلة، فعندما تقول: لماذا نوقف القمح ونعتمد على الاستيراد بدلا من أن نعتمد على الإنتاج، دعني أسأل: لماذا نستورد طائرات؟ لماذا لا ننتجها؟ ببساطة؛ لأننا لا نملك كل المقومات اللازمة لصناعة الطائرات، نحن نستورد كل شيء في هذا البلد، فلماذا توقفنا عند القمح وسألنا لماذا نستورده؟! لأنه أمن غذائي، ولكن إذا أنتجت القمح هل تستطيع الاستمرار في إنتاجه؟ وإذا أنتجت القمح كيف ستنتج السكر وكيف ستنتج الأرز؟ لأنها كلها محاصيل غذائية مطلوبة، والنقطة الرئيسية أنه لإنتاج أي شيء تتطلب له مدخلات معينة لتتمكن من إنتاجه، إذا أردت أن تنتج طائرة ــ مثلا ــ تحتاج إلى علم، وتحتاج إلى مواد أولية معدنية، وتحتاج إلى صناعات صغيرة، مثلا تحتاج إلى مضخة فلا بد أن يكون لديك إمكانات صناعتها وهكذا، ولكي تنتج القمح يجب أن تتوفر لديك مدخلات رئيسية، يجب أن تتوفر لديك أرض زراعية، خبرة، علم، بذور، ومياه، وهنا نصل إلى المحك الرئيسي وهو المياه، هل لدينا مياه كافية لزراعة ثلاثة ملايين طن قمح بالإضافة إلى المحاصيل الأخرى؟ من يجيب على هذا السؤال؟ بالتأكيد يجيب عليه جهات الاختصاص، ومن هي جهات الاختصاص؟ بالتأكيد هي وزارة المياه والكهرباء، وهي تقول بوضوح وبلغة الأرقام إنه لا توجد عندنا مخازين مياه كافية للاستمرار في زراعة القمح في الوقت الحالي، ولذلك اتخذت الدولة قرارا واضحا وأعطت الأولوية للأمن المائي قبل الأمن الغذائي لأنه يمكن لنا أن نستورد الغذاء من الخارج، ولكن من الصعب جدا أن تستورد مياه لتستخدمها في الزراعة؛ لأن كمية المياه اللازمة لإنتاج طن واحد من القمح كمية كبيرة جدا، فمن باب أولى أن تستورد القمح، ولذلك أصدرت الدولة قرارها، والدولة لم تمنع زراعة القمح لنكون واضحين، فالدولة قالت بأنها ستتولى استيراد القمح من الخارج وتبيعه بسعر مدعوم.
التنافس مع الدولة
ولكنك بهذا المنطق تكون قد حولت المزارع البسيط إلى منافس مع الدولة.. أليس كذلك؟
لا، لأنه لن يقدر على المنافسة فيوقف هو الزراعة وليست الدولة.
لكن ما البديل في هذه الحالة، هل هي الأعلاف؟
لا، بالعكس الأعلاف تستهلك مياها أكثر من القمح.
حتى فترة زراعتها أطول من القمح، أليس كذلك؟
هذا صحيح، فترة زراعتها أطول تستمر طوال العام، مثلا البرسيم تزرعه وكل شهر تحصده مرة واحدة، ثم ينمو وتحصده مرة أخرى طيلة العام، فمحاصيل الأعلاف الخضراء تستهلك أضعاف ما يستهلكه القمح، ولكن هل الدولة ترغب في زراعة الأعلاف؟ بالتأكيد لا ترغب، إذا ماذا عملت الدولة؟ نعود للآليات، فالدولة تعمل آليات ولا تعمل بأسلوب المنع، فالدولة قالت إنها ستقدم إعانة للأعلاف المستوردة من الخارج، وأصدرت الدولة قرار مجلس الوزراء عام 1429هـ، باعتماد الخطة الوطنية لدعم مدخلات الأعلاف، وهذا يعني أنك الآن إذا كنت تستورد مدخلات أعلاف من الخارج فإن الدولة ستدعمك بـ50 في المائة من التكلفة، إذا استوردت ذرة صفراء لتستخدمها كعلف فإن الدولة تدفع لك نصف قيمة الاستيراد، وهذا دعم لصناعة الأعلاف المركبة.
الأعلاف المركبة
ولماذا الأعلاف المركبة؟
هذا موضوع مهم جدا أن نوعي الناس بشأنه، وبشأن أسلوب التعامل مع الثروة الحيوانية في المملكة، والتركيز على ضرورة استخدام الأعلاف المركبة، يعني عندما تأتي وتطعم الحيوانات ــ كما يسمونها لدينا في البلد «مكعبات» ــ وهي «الأعلاف المركبة» ومدخلاتها، وسأشرحها لك على هذا النموذج (أطلعنا على النموذج المرفق صورته)، مثلا البرسيم يأتي مضغوطا، وكذلك الشعير، والمولاسس الذي يحتوي على الدبس، ومسحوق قصب الصويا الذي ينتج عن عصر بذرة الصويا وتضم مخلفاتها وهي غنية بالبروتين حوالي 48 في المائة، وهي المصدر الرئيسي للبروتين، وأملاح وبروتينات، والذرة الصفراء، والنخالة.
وهل هذه الأعلاف المركبة أو المضغوطة أفضل من الأعلاف الخضراء.
مليون في المائة أفضل، وللأسف الشديد أن الكثير من «أصحاب الحلال» يعلفون على شعير وبرسيم، والشعير جيد والبرسيم كذلك، ولكنه لا يعطي الغذاء المتكامل، تخيل أن شخصا اعتاد طيلة عمره على أكل الرز واللحم، الرز جيد وفيه بروتين وسعرات حرارية، واللحم كذلك وفيه بروتين وحديد وغيرها، ولكن الاعتماد عليهما وحدهما غير جيد؛ لأن الجسم يحتاج إلى عناصر أخرى توفرها له الأغذية الأخرى، لذلك نقول أن العلف المركب هو الأساس في التعليف، ولذلك بدأنا بالتنسيق مع مصانع الأعلاف الموجودة وعملنا حملة توعوية كانت رائعة، ونسبة الناس الذين تحولوا لاستخدام الأعلاف المركبة عدد هائل جدا، وأصبح الآن الطلب على الأعلاف المركبة يمثل ضغطا، ولذلك نلاحظ أن مصانع الأعلاف بدأت تتوسع، وهذا مؤشر رائع جدا، وأصبح لدينا وعي في المجتمع، ولكن لا يزال هناك بعض أناس يريدون الشعير والبرسيم، بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض مربي الماشية يريدون أن يغذوا حيواناتهم بالشعير ولكنهم يريدون مادة مالئة، والبرسيم مادة مالئة ممتازة والأجبان كذلك، وهذا السبب في أن هناك توجها لزراعة الأعلاف الخضراء.
دعنا نعود إلى الخطة الوطنية لزراعة الأعلاف، فالدولة تدعم مدخلات الأعلاف بحيث أن المواطن يكون عنده وعي بأنه لصحة الحيوانات التي يملكها عليه استخدام الأعلاف المركبة، وتدريجيا سوف يقلل من الطلب على الأعلاف الخضراء، وتنحسر زراعتها في المملكة، ونحن نعمل الآن ــ بإذن الله ــ على زيادة الدعم حتى للبرسيم المستورد.
بكم تدعم الدولة الأعلاف؟
تدعمها بـ50 في المائة.
أسعار الأعلاف
ولكني أعتقد أن هناك مشكلة في أسعار بيع كيس العلف، حيث يباع بـ 42 45 ريالا، فيما المفترض أن يصل إلى 70 ريال، أليس كذلك؟
بالعكس، لو لم يكن هناك دعم لوصل كيس العلف إلى 75 80 ريالا، ولو أخذنا أسعار حبوب رئيسية، وهناك جدول أعد عام 2005 لو قارناه بأسعار الحبوب الآن لوجدنا ارتفاعا قد يصل في بعض الحبوب إلى 300 في المائة عما كان عليه سابقا، ولكن في المتوسط لا يقل عن 120 130 في المائة، ومعظم الحبوب تضاعفت أسعارها، ولذلك نلاحظ زيادة السعر الموجود لدينا في الأعلاف؛ بسبب الزيادة في الأسعار العالمية، وهناك مقولة يقولها الكثير من الناس ومن الضروري أن نوضحها، وهي أنه «لا يستفيد من الإعانة إلا التجار، وأن الإعانة لا تمرر إلى المستهلك»، وأنا أعتقد أن هذا الكلام مؤذٍ، إذا لم يكن مستندا إلى أدلة وبراهين، ومن لديه الأدلة والبراهين فليتقدم بها، ونحن دورنا ــ كمسؤولين حكوميين ــ أن نعطي الأدلة التي عندنا، ونحن نقول مثلا فيما يتعلق بالأعلاف، إن المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق، وهي جهة حكومية وليست ربحية، تنتج أعلافا كتلك التي تنتجها المصانع الخاصة بالضبط، وتبيعها بسعر مدعوم، وللعلم فإن إنتاج المؤسسة لا يمثل إلا 10 في المائة من إنتاج المصانع الخاصة، وهذا إنتاج قليل، لكن المؤسسة تبيعه بسعر مدعوم، وسعر مبالغ في تخفيضه، ليس سعرا واقعيا، وليس سعرا صحيحا، بمعنى أننا عندها نقول إذا كانت الصوامع تبيع بـ 20 ريالا، لماذا تبيع المصانع بـ40 ريالا؟ لأن الدولة تدعم بزيادة عن الدعم الذي تتلقاه المصانع الخاصة، فاتفقنا بناء على طلب من وزارة التجارة والصناعة لأنها المسؤولة عن الأسعار وتريد أن تتأكد من أن الدعم الذي تقدمه الدولة لمدخلات الأعلاف موجود بالفعل في سعر كيس العلف الذي يباع، فطلبت من المؤسسة العامة للصوامع أن تعطيها مؤشرا للتكلفة، ولماذا طلبت من الصوامع؟ لأن الصوامع بيت خبرة وتمارس العمل، ولذلك نحن نرسل بشكل دوري لوزارة التجارة والصناعة مؤشرا لتكلفة إنتاج الأعلاف، ولو أن مصانع الأعلاف تبيع بأسعار مبالغ فيها لوجدت أن وزارة التجارة والصناعة أوقفتهم عند حدهم، ولذلك ليس صحيحا أن مصانع الأعلاف لا تمرر الإعانة إلى المستهلك.
كيف، إذن، يذهب للمصانع التي تبيع بسعر أعلى من سعر الصوامع؟
لأن إنتاج الصوامع لا يكفي، ولا يتعدى 10 في المائة كما قلت لك، وأغلب الناس يريدون أن يشتروا من الصوامع، لذلك توجهنا ولله الحمد لدعم الجمعيات التعاونية الزراعية والحيوانية من خلال ترك تسويق منتجات الصوامع لها.
الجمعيات التعاونية
هل أنت راضٍ عن أداء الجمعيات التعاونية؟
هناك جمعيات رائعة بكل المقاييس ونفتخر بها، ولكن كمحصلة عامة فإن توقعاتنا في الوزارة وتطلعاتنا أكثر بكثير مما هو موجود الآن، لكن يعلم الله أن قناعتنا أنها تسير في الطريق الصحيح ولكن ببطء، ونريد له أن يكون أسرع.
الاستثمار في الخارج
ماذا عن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي في الخارج، بلغة الأرقام، هل حققت أهدافها من حيث تقليل التكلفة والوفر المائي، وهناك من يقول إن الاستثمار الزراعي في الخارج يؤدي إلى تهجير الزراعة وتقليص الرقعة الخضراء، ما يؤدي إلى زيادة نسبة التصحر، بماذا ترد على ذلك؟
هذا الكلام خطير جدا في محتواه ويحتاج إلى إيضاح، مثلا كثير من الناس يقولون: لماذا الدولة تهجر الزراعة وتصحر البلاد، ولكن دعونا نعود إلى الأبجديات «A,B,C»، لا تنزل إلي من الدور الـ 50 وأنت لم تنتهِ من بناء الدور الأول بعد، دعونا نبني الأساس أولا، ونحن جميعا أناس لدينا فكر، وجميعنانحب هذه البلد، دعونا نعود للأساس، هل المقومات الأساسية المطلوبة للزراعة تمكننا من الاستمرار؟ نحن نفتخر في المملكة، أنا كمواطن أفتخر عندما أسافر بالطائرة من الرياض إلى الجوف مثلا، وأطل من نافذة الطائرة وأشاهد الدوائر الخضراء، بصراحة «توسع الصدر»، وقبل 40 عاما كانت صحاري وقفارا «حتى الذئب لا يعوي فيها»، والآن اللهم لك الحمد دوائر خضراء ثبتت التربة وثبتت المواطنين ووفرت لهم باب رزق، وهذه نعمة من الله، ولكن من الذي يعلم؟ بالتأكيد جهة الاختصاص، لا بد أن نثق في جهة الاختصاص وفي قرار ولي الأمر الذي من المستحيل أن يأمر بشيء فيه مضرة للوطن «أعوذ بالله»، وبوضوح يجب علينا أن نعزز من ثقة المواطن في قرار ولي الأمر، وحتى لا ندخل في متاهة كبيرة، ولذلك نقول إن الأساس أن مصادرنا المائية على حسب ما نعلمه من جهات الاختصاص لا تكفي لاستمرار الجهد الزراعي بما كان عليه سابقا، فنحن نتوسع سنويا، في القمح مثلا نزيد سنويا خمسة في المائة، بمعنى أنه خلال 20 عاما لا بد أن نزيده 100 في المائة، فهل نحن قادرون على الاستمرار بهذا الشكل؟ هل نقدر على الاستمرار في زراعة الأعلاف؟ هل نقدر على تلبية جميع احتياجاتنا من الأغنام والإبل والماشية في المملكة؟ بالتأكيد نحن لا نستطيع؛ لأننا إذا ربيناها لا بد أن نستورد الأعلاف من الخارج؛ لأننا لا نستطيع زراعة كمية الأعلاف المطلوبة، فالتقديرات تشير إلى أننا نحتاج إلى 15 مليون طن أعلاف خضراء وغيرها لتغذية الماشية، فهل نحن قادرون على توفيرها من داخل البلد؟ بالتأكيد لا نستطيع، ولذلك الدولة لم تهجر الزراعة، والدولة لم تصحر الأراضي، والدولة لم تلغِ الزراعة المحلية، نحن نقول إنه لدينا إمكانيات واضحة، ونحن نريد تنمية الزراعة المحلية ولكن ننميها بأسلوب مستدام، ولذلك ثقافتنا وفكرنا وكلامنا الآن في الوزارة تركز كلها على كلمة «مستدام»، لأننا يجب أن نحرص على أن أي عمل نقوم به تتوفر فيه صفة الاستدامة ــ بإذن الله سبحانه وتعالى، وهذه نقطة مهمة جدا لا بد من التركيز عليها، لأن الدولة لم تهمش القطاع الزراعي المحلي، انظر إلى ميزانية وزارة الزراعة أصلا، انظر إلى القروض التي يعطيها صندوق التنمية الزراعية، انظر إلى النمو الذي يحدث الآن في إنشاء مشاريع البيوت المحمية، ورئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الزراعية يقول إنه لا يكاد يمر علينا اجتماع واحد دون أن يكون فيه بناء لمشاريع البيوت المحمية، وهناك نمو كبير الآن في بنائها، ولدينا نمو في إنشاء مشاريع الدواجن، ولذلك هناك أعمال زراعية يمكن القيام بها داخل المملكة فيها تنمية للقطاع الزراعي، لكن يجب علينا أن نكون حذرين عند زراعة المحاصيل التي تسبب استنزافا للمياه.
الاستيراد مكمل
ما هو الحل، أو ما هو البديل الذي يتضمن نمو متوازن في المياه وفي الزراعة في نفس الوقت؟
يجب علينا أن نبحث عن مكمل، ولذلك قالت الدولة إن المكمل هو الاستيراد من الخارج بكل وضوح، حالنا حال القطاعات الأخرى، لا يوجد قطاع اكتفاء ذاتي، حتى في قطاع البترول نحن نستورد ديزل من الخارج، لأن استهلاكنا أكثر من إنتاجنا، ولذلك الاستيراد ليس عيبا وليس عارا، لماذا نتعامل مع الاستيراد في مصطلحاتنا وكأنه عار علينا؟! كل الدول تستورد، الاستيراد أصبح الآن مكملا للإنتاج المحلي، بالإضافة إلى ذلك تتذكر في عام 2008م أنه كان هناك أزمة غذاء عالمية، وكانت نفس السنة التي قررت فيها الدولة أن تقلص من إنتاج القمح المحلي، فجاء في وقت غير مناسب، حيث أن العالم يحتاج إلى زيادة إنتاجه الزراعي قررنا في المملكة التقليص بسبب وضعنا المائي، والملك عبدالله بن عبدالعزيز جزاه الله خيرا قال: يا إخوان نحن عندنا إمكانيات علمية وإدارية ورؤوس أموال ورجال أعمال أثبتوا جدارتهم في بلدهم في الإنتاج الزراعي، فدعونا نشجعهم ليستثمروا في الخارج، في المناطق التي فيها المقومات الرئيسية المطلوبة للزراعة من تربة، مياه، وعمالة، وبالفعل هذا ما حدث وسميت بمبادرة الملك عبدالله، وبالطبع الاستثمار الزراعي في الخارج ليس بالشيء الجديد، من زمن بعيد وهناك مستثمرون سعوديون في الخارج، ولكننا وصلنا إلى مرحلة تحتاج العملية فيها إلى تقنين، وإلى دعم للمستثمر، وإلى حمايته، وإلى تحديد العلاقات فيما بين الدولة والمستثمر، ولذلك عملت المبادرة، والتي من مكوناتها أربع جهات حكومية، هي: وزارة الخارجية، وزارة المالية، وزارة الزراعة، ووزارة التجارة والصناعة، وعملوا المتطلبات الأساسية، منها: صدور قرار من مجلس الوزراء يحدد آلية التمويل وربطها بصندوق التنمية الزراعية، إنشاء شركة وطنية للاستثمار الزراعي والحيواني في الخارج اسمها «سالك» برأسمال 3 آلاف مليون ريال، وعين لها مجلس إدارة بدأ في ممارسة أعماله، وهؤلاء سيكونون ذراع الدولة للاستثمار من خلال الدخول في شراكات استراتيجية أو توقيع العقود للشراء المباشر من المستثمرين، عمل اتفاقية إطارية للتعاون ما بين الدول وتم التوقيع عليها بين وزارة الخارجية وفيتنام والسودان وإثيوبيا، ونحن في اللمسات الأخيرة لتوقيعها مع أوكرانيا وبلغاريا، وكل هذا العمل يهدف إلى تشجيع المستثمر السعودي لكي يذهب بما أصبح لديه من علم وتقانة وأساليب إدارية ورؤوس أموال ليستثمر في الخارج والدولة سوف تدعمه، وتعطيه قروضا بأسلوب مقنن ومحدد لمنح القروض، وتبحث بعدها في إمكانية شراء المحاصيل منه، ونحرص على أن تكون الاستثمارات السعودية في الخارج استثمارات مسؤولة، بمعنى أن تكون الاستثمارات نافعة للبلد المستضيف لها، ولذلك نجد الآن دولا تأتي إلينا بالاسم تطلب من وزارة الزراعة أن نحفز القطاع الزراعي عندنا للاستثمار في بلدانهم، وهذا يدل على ثقة هذه الدول في المملكة كحكومة وكقطاع استثماري، وهذه نعمة من الله.
عكاظ