دعاة وأكاديميون وإعلاميون: فضائيات ومواقع «عنصرية» تكرِّس المذهبية والقبلية والمناطقية
إخبارية الحفير - حائل تعصف عصبية «منتنة» بتكوين المجتمع، وتكاد أن تتحول لكارثة، وتبعدنا عن مفاهيم الدولة الحديثة، فالعصبية القبلية كما يرى عدد من الأكاديميين والإعلاميين والدعاة الذين التقتهم «معول هدم»، تقودها عدد من وسائل الإعلام وتشجعها لزيادة مكاسبها المالية، كما تقف على حياد وتتخاذل أحياناً عن دورها، أو تتناولها باستحياء وكأنها غير معنية بالأمر، فيما حمّل البعض القنوات الفضائية الشعبية ومواقع التواصل الاجتماعي مسؤولية إبراز النعرات القبلية في وقت عجزت فيه مؤسسات المجتمع المدني عن الوقوف أمام التعصب، الذي تجاوز القبيلة الواحدة ليصل معاقل أكاديمية انتهجت العنصرية وغذتها، وأجمعوا على أن تشريع قوانين تجرم ازدراء الآخرين بسبب أصولهم هو الحل للوقوف في وجه التعنصر، مؤكدين أن الوطن يتسع للجميع.
تضافر المؤسسات
يقول عميد شؤون الطلاب في جامعة حائل الدكتور سعود النايف «إن القبيلة أو العائلة يلعبان دوراً محورياً في تحقيق الانتماء والإحساس بالدفء للفرد، فهي حاجة فطرية تنسجم مع طبيعة الإنسان باعتباره كائناً اجتماعياً ولكن هذا المصطلح يتحول إلى كارثة إذا ارتبط بالتعصب وإقصاء الآخرين وازدرائهم وتصنيفهم تبعاً لأعراقهم وألوانهم وهذا بلا شك يزرع البغضاء والتناحر وفي أحيانٍ كثيرة يقود إلى الصراعات الطائفية والقبلية.
وأضاف النايف «إن التعصب القبلي لا ينسجم مع مفاهيم الدولة الحديثة التي ترتكز على الأمة التي يجمعها الانتماء إلى أرض يدافعون عنها وتاريخ مشترك ويتطلعون إلى مستقبل مشرق. إننا بحاجة أن تتضافر كل المؤسسات لمحاربة هذه الظاهرة التي تقف حجر عثرة في طريق التنمية وبناء الإنسان الذي يصنع المستقبل ولا يزايد على شرف لم يصنعه. ولقد أخذت مؤسسات المجتمع خاصة الإعلامية منها ثلاثة اتجاهات في تناول هذه الظاهرة أولها القيام بدور مشجع للتعصب القبلي مبتعدة عن رسالتها الأساسية المتمثلة في التوعية والتثقيف مبتعدة عن المهنية والاحترافية بالطرح محيدة أخلاقيات المهنة جاعلة كسب مزيد من المشاهدين أو القراء، حريصة على استدرار جيوبهم وجيوب المعلنين. أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه محايد نأى بنفسه عن تناول هذه الظاهرة خوفاً من الفتنة متناسياً أن الجرح لا يعالج إلا بفتحه وتنظيفه وهذا هو الغالب من وجهة نظري، والأخير يتناول هذه الظاهرة على استحياء وبطريقة سطحية لا تسمن ولا تغني من جوع».
تحول معرفي
وزاد النايف «إننا في زمن التحول للمجتمع المعرفي الذي لا تنسجم مفاهيمه مع هذه المفاهيم التي أكل عليها الدهر وشرب، فالوطن يتسع للجميع، فلنجعل همنا بناء الوطن يداً بيد، ولندع شعارنا الوطن يتسع للجميع، ودعونا نعلِّم أبناءنا أن يكونوا إيجابيين في تقييمهم للآخرين ولا يسلموا عقولهم وقلوبهم لمَنْ يزرع ويؤجج مفاهيم التعصب والنعرات القبلية، ونكوِّن لديهم المناعة الذاتية بحيث يحكمون على الإنسان بعمله وليس بأصله، وأن نشرّع القوانين التي تجرم ازدراء الآخرين بسبب أصولهم».
حب الوطن
ويرى الكاتب في صحيفة «الوطن» فواز عزيز أن القبلية لا تعني هدم المواطنة ما لم تتجاوز حدود الولاء للوطن وأبنائه.. وحب الوطن يتجاوز حب القبيلة أو العائلة حين لا يفرق الوطن بين أبناء قبائله وعوائله. لكن لا أحد ينكر وجود البعض ممن يقدمون القبيلة أو العائلة على الوطن بممارساته وتصرفاته حتى لو نفى ذلك في كلامه.
وقال عزيز: « لم تعد المشكلة اليوم في القبائل فقط، بل حتى في بعض العوائل الكبيرة، فتجد أحياناً بعض الإدارات يغلب على موظفي أقسامها اسم عائلة واحدة أو عوائل لها صلات قرابة معها، وبعض أبناء العوائل الكبيرة أصبحت تبحث عما يثبت قبيلتها لتنتمي لها وتعلن ذلك للملأ، ليس من باب القبلية والتعصب لها، بل من باب معرفة النسب والأقارب».
وأد التعصب
وأشار عزيز إلى أن التفاخر بالقبيلة ليس مشكلة حين لا يصل إلى التفاخر عبر سب وانتقاد القبائل الأخرى من ذات الوطن، ويرى أن بعض القنوات الشعبية الفضائية انطلقت لتكرس التفرقة القبلية، كما يفعل بعض الشعراء حين يهجو القبائل ليمتدح قبيلته. مؤكداً أن وأد التعصب القبلي والمذهبي والمناطقي لا يأتي رغم قلته- إلا بالمساواة بين أبناء القبائل والمذاهب والمناطق في التوظيف على أساس الكفاءة، والمساواة في التنمية بين جميع المناطق والمحافظات، والمساواة في تقديم الخدمات للجميع أينما كانوا في بلادهم.
مذهبية ومناطقية
وقال مدير الإعلام والنشر بجامعة حائل الإعلامي ياسر الكنعان» ليست العنصرية القبلية في المملكة، التي تشكل خطراً على المجتمع، وقد يكون تأثيرها في السنوات الأخيرة محدوداً ولا يشكل تهديداً مع ارتفاع الوعي العام وتداخل أبناء القبائل ثقافياً واجتماعياً».
ويشير الكنعان إلى أنواع أخرى من العنصرية قد تكون أكثر خطراً على المجتمع على حد قوله -: «من أبرزها المذهبية، المناطقية، والإيديولوجية، والأخيرة بدأت ملامحها تظهر بشكل بشع على السطح في الصراع الذي تشهده التيارات الفكرية.
خطاب توعوي
وقلل الكنعان من تأثير مؤسسات المجتمع المدني القائمة، قائلاً «مؤسسات المجتمع المدني تأثيرها محدود على الظاهرة، فالنخبة التي تدير مثل هذه المؤسسات متورطة بالصراعات الفكرية، كما هو حال رؤوس التيارات الفكرية المختلفة في بلادنا.»
ويرى الكنعان ضرورة تبني خطاب توعوي، فيقول: «الفرد يشكل نواة المجتمع بكل أطيافه، وتبني خطاب توعوي مكثف على المدى المتوسط والطويل مطلب مهم، من وسائل الإعلام، المناهج التعليمية، ومنابر المساجد».
ويؤكد الكنعان أنه من واجب مؤسسات الدولة إقرار قوانين خاصة لمحاصرة كل ما من شأنه تكريس العنصرية بكل أشكالها، ويدخل في ذلك قوانين لنبذ الكراهية والتطرف، وقال «إن ما نشاهده في بعض الفضائيات الخاصة ساعد على تكريس العنصريات المذهبية والقبلية بشكل مكثف على مدى السنوات القليلة الماضية، وهو الأمر الذي لم يُجرم رغم فداحة ما يُرتكب بحق المجتمع».
أمر جاهلية
وحمَّل رئيس لجنة إصلاح ذات البين، الداعية عيد الرميح القنوات الفضائية أسباب النعرات القبلية، وقال إن الدور الأول في إبراز النعرات القبلية تتحمله بعض القنوات الفضائية مثل القنوات الشعبية، وقنوات التواصل الاجتماعي، مطالباً الدولة بمراقبة ومتابعة هذه القنوات وإصلاحها، وأن يؤدب ويمنع ويسجن مَنْ يحقر الناس وذلك لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت». مشيراً إلى أن هذه النعرات قد تؤثر على أفراد وبالتالي تؤثر في بناء المجتمع.
سلاح ذو حدين
ووصف الداعية الرميح هذه النعرات القبلية بالسلاح ذي حدين من خلال التوظيف في تقسيم المجتمع إلى أقسام عدة منها «الحضر، والبدو» وغيرهما، وقال الرميح في عهد سابق يضطر البعض لحذف اسم القبيلة من أجل وظيفة أو مكانة اجتماعية، مما زرع العداوة بين أفراد المجتمع، ولابد من تكثيف الدورات التعليمية والمحاضرات الدينية لمحاربة هذه النعرات التي تندرج تحت مسمى الفساد.
وأضاف الرميح «لا يجوز انتقاص أحد من أجل اللون أو الشكل أو القبيلة»، موضحاً أن الانتساب للقبيلة ليست نعرة جاهلية مستدلاً بأن الأنبياء تُبْعَثُ في أنساب قومها».
معول هدم
وقال مدير الإعلام التربوي بتعليم حائل إبراهيم الجنيدي إن «العنصرية القبلية معول هدم لجميع الجهود الرامية للارتقاء بالمجتمع، ويقع على الإعلام المقروء والمرئي والجديد ومواقع التواصل مسؤولية كبيرة في الالتفات للعنصرية القبلية وتثقيف المجتمع بالآثار السلبية لها، والانطلاق بالمجتمع لفضاءات أرحب يكون أساسها التعامل والتعايش مع الآخر بفكره وعطائه وإنتاجيته دون الالتفات لأي معيار آخر».
ويضيف الجنيدي «الإعلام بكل قنواته متى ما قام دوره ستكون له اليد الطولى في تغيير الوضع الراهن الذي يعيشه المجتمع بتمزيق مكوناته لعدة فئات أنتجت صراعات وتقسيمات لا تخدم الصالح العام للبلد والمجتمع.
معاقل أكاديمية
ويؤكد الجنيدي وصول العصبية القبلية للمؤسسات التربوية، وقال «مع الأسف إن العصبية القبلية بدأت حالياً بغزو معاقل أكاديمية بانتهاج البعض من المؤهلين أكاديمياً لتلك العصبية وتغذيتها ممن لهم كلمة في مواقع قيادية من خلال تسهيل وتبسيط أي مصلحة لمَنْ في انتمائهم.
توظيف الشباب
ويشير الجنيدي إلى أن العنصرية القبلية أصبحت عائقاً يقف أمام الشباب، وقال «بدأت العنصرية تعصف بآمال وطموحات الآلاف من الشباب الطموح المؤهل في الحصول علي وظيفة تناسب مؤهلاته من خلال انتهاج بعض المسؤولين في الإدارات الحكومية لمعيار انتماء الشخص كمعيار للحصول على وظيفة مما يوجد احتقاناً في المجتمع ضد هذه الظاهرة كون الإدارات الحكومية أصبحت تركيبتها الوظيفية تعتمد علي الإدارة العليا لتلك الإدارة، وأصبح التوظيف يعتمد على ذلك المعيار.
زعزعة اللحمة
ويرى الجنيدي أن الانتماء العنصري للقبيلة سيؤدي لزعزعة اللحمة والوحدة الوطنية كون العنصرية هي مَنْ تحدد ولاءات وانتماء الشخص بعيداً عن الانتماء الوطني، ففي الوضع الراهن متى ما تعارضت مصلحة القبيلة أو فئة معينة مع مصلحة وطنية ستكون الغلبة والكلمة الطولى للعنصرية.
ويؤكد الجنيدي أن دوراً مهماً وكبيراً يقع على مؤسسات الدولة ومنها وزارة الإعلام والداخلية والتربية والتعليم العالي بالالتفات لهذه القضية الحساسة وسبر أغوارها وإيجاد حلول لها لإيجاد مجتمع مدني ينظر لبعضه بمنظور واحد همه وهدفه مصلحة الوطن أولاً وأخيراً.
نشر الأمن
ويرى مدير شرطة منطقة حائل السابق اللواء ناصر نوصير أن الإسلام نبذ العنصرية القبلية، وأن وحدة الوطن والمواطنين لها دور كبير ومهم في نشر الأمن وتوفير الحياة الاقتصادية لأبنائه ونشر المحبة بين المواطنين ونبذ العنف والشقاق والخلاف القبلي أو المذهبي وتتم تنمية الوحدة الوطنية في قلوب الجميع، من خلال المنزل والأسرة والمسجد والمدرسة والإعلام عليه الدور الكبير في إيضاح الحقائق وعدم إثارةالنعرات القبلية المقيتة، لاسيما ونحن في هذا الوطن المبارك ونحن في ظل قيادة موفقة إن شاء الله .
مجتمع مترابط
ووصف الشاعر الشعبي فهيد البقعاوي العنصرية القبلية بـ»القضية الشائكة»، و» الفتنه النائمة» لمَنْ استخدمها في التقليل من الغير أو العلو والتعالي على الغير وهذا الأمر غير مرغوب فيه عند العقلاء، ويرى وجوب وجود قوانين تمنع التعصب الذي لا يجلب التشنج والتفكك، مشيراً إلى أن الأنظمة كفيلة بأن تخلف مجتمعاً مترابطاً يشكل يداً واحدة ضد مَنْ يحاول أن يدس السم في العسل من أجل إثارة هذه النعرات البالية.
إثارة النعرات
ويضيف البقعاوي: القانون وحده هو مَن ْيمنح مواطنة بعيدة كل البعد عن الأصل أو التعصب لقبيلة ما، وعندما أتحدث من منظور شعري فإن باب الفخر موجود في الشعر ويحق لكل شاعر أن يفخر بقبيلته، ولكن دون أن ينتقص أو يقلل من حق أي شخص أو أي قبيلة، والواجب أن يكون الاحترام هو مَنْ يميز الآخرين وأن نعي أن سلبيات العصبية القبلية أكبر من إيجابياتها، خاصة عند بعض الأشخاص الذين يحاولون إثارة النعرات القبلية لتحقيق أهداف خاصة بهم.
تضافر المؤسسات
يقول عميد شؤون الطلاب في جامعة حائل الدكتور سعود النايف «إن القبيلة أو العائلة يلعبان دوراً محورياً في تحقيق الانتماء والإحساس بالدفء للفرد، فهي حاجة فطرية تنسجم مع طبيعة الإنسان باعتباره كائناً اجتماعياً ولكن هذا المصطلح يتحول إلى كارثة إذا ارتبط بالتعصب وإقصاء الآخرين وازدرائهم وتصنيفهم تبعاً لأعراقهم وألوانهم وهذا بلا شك يزرع البغضاء والتناحر وفي أحيانٍ كثيرة يقود إلى الصراعات الطائفية والقبلية.
وأضاف النايف «إن التعصب القبلي لا ينسجم مع مفاهيم الدولة الحديثة التي ترتكز على الأمة التي يجمعها الانتماء إلى أرض يدافعون عنها وتاريخ مشترك ويتطلعون إلى مستقبل مشرق. إننا بحاجة أن تتضافر كل المؤسسات لمحاربة هذه الظاهرة التي تقف حجر عثرة في طريق التنمية وبناء الإنسان الذي يصنع المستقبل ولا يزايد على شرف لم يصنعه. ولقد أخذت مؤسسات المجتمع خاصة الإعلامية منها ثلاثة اتجاهات في تناول هذه الظاهرة أولها القيام بدور مشجع للتعصب القبلي مبتعدة عن رسالتها الأساسية المتمثلة في التوعية والتثقيف مبتعدة عن المهنية والاحترافية بالطرح محيدة أخلاقيات المهنة جاعلة كسب مزيد من المشاهدين أو القراء، حريصة على استدرار جيوبهم وجيوب المعلنين. أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه محايد نأى بنفسه عن تناول هذه الظاهرة خوفاً من الفتنة متناسياً أن الجرح لا يعالج إلا بفتحه وتنظيفه وهذا هو الغالب من وجهة نظري، والأخير يتناول هذه الظاهرة على استحياء وبطريقة سطحية لا تسمن ولا تغني من جوع».
تحول معرفي
وزاد النايف «إننا في زمن التحول للمجتمع المعرفي الذي لا تنسجم مفاهيمه مع هذه المفاهيم التي أكل عليها الدهر وشرب، فالوطن يتسع للجميع، فلنجعل همنا بناء الوطن يداً بيد، ولندع شعارنا الوطن يتسع للجميع، ودعونا نعلِّم أبناءنا أن يكونوا إيجابيين في تقييمهم للآخرين ولا يسلموا عقولهم وقلوبهم لمَنْ يزرع ويؤجج مفاهيم التعصب والنعرات القبلية، ونكوِّن لديهم المناعة الذاتية بحيث يحكمون على الإنسان بعمله وليس بأصله، وأن نشرّع القوانين التي تجرم ازدراء الآخرين بسبب أصولهم».
حب الوطن
ويرى الكاتب في صحيفة «الوطن» فواز عزيز أن القبلية لا تعني هدم المواطنة ما لم تتجاوز حدود الولاء للوطن وأبنائه.. وحب الوطن يتجاوز حب القبيلة أو العائلة حين لا يفرق الوطن بين أبناء قبائله وعوائله. لكن لا أحد ينكر وجود البعض ممن يقدمون القبيلة أو العائلة على الوطن بممارساته وتصرفاته حتى لو نفى ذلك في كلامه.
وقال عزيز: « لم تعد المشكلة اليوم في القبائل فقط، بل حتى في بعض العوائل الكبيرة، فتجد أحياناً بعض الإدارات يغلب على موظفي أقسامها اسم عائلة واحدة أو عوائل لها صلات قرابة معها، وبعض أبناء العوائل الكبيرة أصبحت تبحث عما يثبت قبيلتها لتنتمي لها وتعلن ذلك للملأ، ليس من باب القبلية والتعصب لها، بل من باب معرفة النسب والأقارب».
وأد التعصب
وأشار عزيز إلى أن التفاخر بالقبيلة ليس مشكلة حين لا يصل إلى التفاخر عبر سب وانتقاد القبائل الأخرى من ذات الوطن، ويرى أن بعض القنوات الشعبية الفضائية انطلقت لتكرس التفرقة القبلية، كما يفعل بعض الشعراء حين يهجو القبائل ليمتدح قبيلته. مؤكداً أن وأد التعصب القبلي والمذهبي والمناطقي لا يأتي رغم قلته- إلا بالمساواة بين أبناء القبائل والمذاهب والمناطق في التوظيف على أساس الكفاءة، والمساواة في التنمية بين جميع المناطق والمحافظات، والمساواة في تقديم الخدمات للجميع أينما كانوا في بلادهم.
مذهبية ومناطقية
وقال مدير الإعلام والنشر بجامعة حائل الإعلامي ياسر الكنعان» ليست العنصرية القبلية في المملكة، التي تشكل خطراً على المجتمع، وقد يكون تأثيرها في السنوات الأخيرة محدوداً ولا يشكل تهديداً مع ارتفاع الوعي العام وتداخل أبناء القبائل ثقافياً واجتماعياً».
ويشير الكنعان إلى أنواع أخرى من العنصرية قد تكون أكثر خطراً على المجتمع على حد قوله -: «من أبرزها المذهبية، المناطقية، والإيديولوجية، والأخيرة بدأت ملامحها تظهر بشكل بشع على السطح في الصراع الذي تشهده التيارات الفكرية.
خطاب توعوي
وقلل الكنعان من تأثير مؤسسات المجتمع المدني القائمة، قائلاً «مؤسسات المجتمع المدني تأثيرها محدود على الظاهرة، فالنخبة التي تدير مثل هذه المؤسسات متورطة بالصراعات الفكرية، كما هو حال رؤوس التيارات الفكرية المختلفة في بلادنا.»
ويرى الكنعان ضرورة تبني خطاب توعوي، فيقول: «الفرد يشكل نواة المجتمع بكل أطيافه، وتبني خطاب توعوي مكثف على المدى المتوسط والطويل مطلب مهم، من وسائل الإعلام، المناهج التعليمية، ومنابر المساجد».
ويؤكد الكنعان أنه من واجب مؤسسات الدولة إقرار قوانين خاصة لمحاصرة كل ما من شأنه تكريس العنصرية بكل أشكالها، ويدخل في ذلك قوانين لنبذ الكراهية والتطرف، وقال «إن ما نشاهده في بعض الفضائيات الخاصة ساعد على تكريس العنصريات المذهبية والقبلية بشكل مكثف على مدى السنوات القليلة الماضية، وهو الأمر الذي لم يُجرم رغم فداحة ما يُرتكب بحق المجتمع».
أمر جاهلية
وحمَّل رئيس لجنة إصلاح ذات البين، الداعية عيد الرميح القنوات الفضائية أسباب النعرات القبلية، وقال إن الدور الأول في إبراز النعرات القبلية تتحمله بعض القنوات الفضائية مثل القنوات الشعبية، وقنوات التواصل الاجتماعي، مطالباً الدولة بمراقبة ومتابعة هذه القنوات وإصلاحها، وأن يؤدب ويمنع ويسجن مَنْ يحقر الناس وذلك لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة على الميت». مشيراً إلى أن هذه النعرات قد تؤثر على أفراد وبالتالي تؤثر في بناء المجتمع.
سلاح ذو حدين
ووصف الداعية الرميح هذه النعرات القبلية بالسلاح ذي حدين من خلال التوظيف في تقسيم المجتمع إلى أقسام عدة منها «الحضر، والبدو» وغيرهما، وقال الرميح في عهد سابق يضطر البعض لحذف اسم القبيلة من أجل وظيفة أو مكانة اجتماعية، مما زرع العداوة بين أفراد المجتمع، ولابد من تكثيف الدورات التعليمية والمحاضرات الدينية لمحاربة هذه النعرات التي تندرج تحت مسمى الفساد.
وأضاف الرميح «لا يجوز انتقاص أحد من أجل اللون أو الشكل أو القبيلة»، موضحاً أن الانتساب للقبيلة ليست نعرة جاهلية مستدلاً بأن الأنبياء تُبْعَثُ في أنساب قومها».
معول هدم
وقال مدير الإعلام التربوي بتعليم حائل إبراهيم الجنيدي إن «العنصرية القبلية معول هدم لجميع الجهود الرامية للارتقاء بالمجتمع، ويقع على الإعلام المقروء والمرئي والجديد ومواقع التواصل مسؤولية كبيرة في الالتفات للعنصرية القبلية وتثقيف المجتمع بالآثار السلبية لها، والانطلاق بالمجتمع لفضاءات أرحب يكون أساسها التعامل والتعايش مع الآخر بفكره وعطائه وإنتاجيته دون الالتفات لأي معيار آخر».
ويضيف الجنيدي «الإعلام بكل قنواته متى ما قام دوره ستكون له اليد الطولى في تغيير الوضع الراهن الذي يعيشه المجتمع بتمزيق مكوناته لعدة فئات أنتجت صراعات وتقسيمات لا تخدم الصالح العام للبلد والمجتمع.
معاقل أكاديمية
ويؤكد الجنيدي وصول العصبية القبلية للمؤسسات التربوية، وقال «مع الأسف إن العصبية القبلية بدأت حالياً بغزو معاقل أكاديمية بانتهاج البعض من المؤهلين أكاديمياً لتلك العصبية وتغذيتها ممن لهم كلمة في مواقع قيادية من خلال تسهيل وتبسيط أي مصلحة لمَنْ في انتمائهم.
توظيف الشباب
ويشير الجنيدي إلى أن العنصرية القبلية أصبحت عائقاً يقف أمام الشباب، وقال «بدأت العنصرية تعصف بآمال وطموحات الآلاف من الشباب الطموح المؤهل في الحصول علي وظيفة تناسب مؤهلاته من خلال انتهاج بعض المسؤولين في الإدارات الحكومية لمعيار انتماء الشخص كمعيار للحصول على وظيفة مما يوجد احتقاناً في المجتمع ضد هذه الظاهرة كون الإدارات الحكومية أصبحت تركيبتها الوظيفية تعتمد علي الإدارة العليا لتلك الإدارة، وأصبح التوظيف يعتمد على ذلك المعيار.
زعزعة اللحمة
ويرى الجنيدي أن الانتماء العنصري للقبيلة سيؤدي لزعزعة اللحمة والوحدة الوطنية كون العنصرية هي مَنْ تحدد ولاءات وانتماء الشخص بعيداً عن الانتماء الوطني، ففي الوضع الراهن متى ما تعارضت مصلحة القبيلة أو فئة معينة مع مصلحة وطنية ستكون الغلبة والكلمة الطولى للعنصرية.
ويؤكد الجنيدي أن دوراً مهماً وكبيراً يقع على مؤسسات الدولة ومنها وزارة الإعلام والداخلية والتربية والتعليم العالي بالالتفات لهذه القضية الحساسة وسبر أغوارها وإيجاد حلول لها لإيجاد مجتمع مدني ينظر لبعضه بمنظور واحد همه وهدفه مصلحة الوطن أولاً وأخيراً.
نشر الأمن
ويرى مدير شرطة منطقة حائل السابق اللواء ناصر نوصير أن الإسلام نبذ العنصرية القبلية، وأن وحدة الوطن والمواطنين لها دور كبير ومهم في نشر الأمن وتوفير الحياة الاقتصادية لأبنائه ونشر المحبة بين المواطنين ونبذ العنف والشقاق والخلاف القبلي أو المذهبي وتتم تنمية الوحدة الوطنية في قلوب الجميع، من خلال المنزل والأسرة والمسجد والمدرسة والإعلام عليه الدور الكبير في إيضاح الحقائق وعدم إثارةالنعرات القبلية المقيتة، لاسيما ونحن في هذا الوطن المبارك ونحن في ظل قيادة موفقة إن شاء الله .
مجتمع مترابط
ووصف الشاعر الشعبي فهيد البقعاوي العنصرية القبلية بـ»القضية الشائكة»، و» الفتنه النائمة» لمَنْ استخدمها في التقليل من الغير أو العلو والتعالي على الغير وهذا الأمر غير مرغوب فيه عند العقلاء، ويرى وجوب وجود قوانين تمنع التعصب الذي لا يجلب التشنج والتفكك، مشيراً إلى أن الأنظمة كفيلة بأن تخلف مجتمعاً مترابطاً يشكل يداً واحدة ضد مَنْ يحاول أن يدس السم في العسل من أجل إثارة هذه النعرات البالية.
إثارة النعرات
ويضيف البقعاوي: القانون وحده هو مَن ْيمنح مواطنة بعيدة كل البعد عن الأصل أو التعصب لقبيلة ما، وعندما أتحدث من منظور شعري فإن باب الفخر موجود في الشعر ويحق لكل شاعر أن يفخر بقبيلته، ولكن دون أن ينتقص أو يقلل من حق أي شخص أو أي قبيلة، والواجب أن يكون الاحترام هو مَنْ يميز الآخرين وأن نعي أن سلبيات العصبية القبلية أكبر من إيجابياتها، خاصة عند بعض الأشخاص الذين يحاولون إثارة النعرات القبلية لتحقيق أهداف خاصة بهم.