• ×

الشعوب المشردة

بواسطة حمد بن عبدالله المسعر 15-10-1437 01:10 صباحاً 1.4K زيارات

أولُ مَانَستفْتِحُ المَقَالَا بِذِكْرِ حَمْدِ ربنا تعالى
فالحمد لله على مأنعمنا حَمْداً به يجلو عن القلب العمي
ثم الصلاة بعد والسلام على نبي دينه الإسلام
محمد خاتم رسل ربه وآله من بعده وصحبه
ونسأل الله لنا الإعانَهْ فيما توخينا من الإِبَانَهْ
( الرَحْبِيَةُ )
لقد كان وما زال وسيظل يتحدث الناس عن مشاكل المجتمعات التي يعيشون فيها والمجتمعات المجاورة لهم كذلك التي تربطهم بها علاقات اقتصادية أو دينية , أو مصالح يكون لها علاقة بوجودها واستمرارها في هذه الحياة القاسية والتي لها نهاية مثل ما لها بداية .
فالفرد هو جزء لا يتجزأ من أسرته , والأسرة جزء لا يتجزأ من المجتمع الذي تعيش فيه هذا هو ديدن الحياة , ويختلف هذا المحيط بين أسرة وأخرى , فمن هذه الأسر تكون بيئتها غنية فتتحقق فيها الأمنيات ويبدع فيها المبدعون , ومنها من تكون متوسطة الدخل تكون الأمنيات والإبداعات مقيدة بالظروف والضغوطات المالية والاجتماعية التي تمر بها تلك الأسرة , ومنها الفقيرة والتي لا تهتم بالكماليات بل بما هو مهم لاستمرار حياتها ومقاومة قساوة الحياة والتي يكون الإبداع فيها بمثابة الحفر بالصخر .
هذه نظرة خاطفة سريعة على أغلب المجتمعات العربية بشكل عام في الوقت الحالي , ولكن الآن وبالتحديد فى السنوات الخمس الماضية تم إعادة إنتاج مجتمعات جديدة على غير المألوف والتي طبعا تحتوي على أسر مشردة وبالتالي أفراد من مختلف وفئات العمر.
قد يقول قائل هذه مجتمعات جديدة على بيئتنا فهمناها !!! ولكن هل يعني ان هناك مجتمعات مشردة قديمة ؟
أقول للسائل أنت تفتح الجراح التي كنا نظن انها إلتئمت وما تبقي إلا آثارها , بالأمس القريب كان عندنا في الكويت وحدها أكئر من أربعمائة وخمسين ألف مشرد فلسطيني , نتائج إعلان دولة إسرائيل في 1948 والحروب التي تلت هذا الإعلان والتي انتهت بالمعاهدات والتمثيل الدبلوماسي لدول المواجهة والممانعة على حدٍ سواء ما ظهر منها وما بطن .
وعندما أتكلم عن نصف مليون إنسان تقريبا , يعني أني أتكلم عن أفراد من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والأرامل والمطلقات والعوانس والمرضى والمعاقين والمتعلمين ومتوسطي التعليم والغير مثقفين والمثقفين والأيتام ...الخ , يعني مجتمعات بأكملها من مختلف المدن الفلسطينية قد تم تهجيرها وتشريدها الى أنحاء شتي من العالم كان للكويت نصيب الأسد في جمع شتاتها وإحتوائهم وتوفير سبل العيش لهم , بل ومعاملتهم معاملة الكويتيين ( إذا لم يكن أفضل باعتبار إضافة عنصر التعاطف مع القضية الفلسطينية ) في شتي المجالات من تعليم وصحة وتوفير سبل العيش الرغيد ... ولكن هناك فرق بين مشردين اليوم ومشردين الأمس , بالأمس كان سبب التشرد أن الجلاد ومازال عدوا صهيونيا مغتصبا للأرض والثقافة ويفرض نفسه بالقوة وبحقد بل وغل له جذور دينية وإرث تاريخي يمتد الى 1400 سنة مدعوما بالقوي العالمية .
أما اليوم فالجلادون ليس واحدا بل ظهر وتبين لنا أن جلادنا القديم كان وما زال , معه جلادون كانوا متخفين يعملون في جنح الظلام من بني جلدتنا ولكنهم يتخفون ويلبسون طاقية الممانعة , ولا نراهم إلا بعباءة حماة الديار وسيوف النصر وفرسان الغيرة يصولون ويجولون في خضم المعارك الإعلامية التي تقصف جباه الأعداء تارةً انتصار أكتوبر وتارةً انتصار ثورة تموز هكذا كان الضحك على الشعوب والأوطان .
خلك معي في تتبع تشريد المجتمعات العربية فقط في منطقة الشرق الأوسط في الخمسين سنة الماضية , وهي بالحقيقة شعوب بأكملها شردت ولم تكون محصورة فقط في مجتمعات بعينها :
الفلسطينيون تشردوا بسبب قيام دولة إسرائيل بما يعرف الآن عالميا بفلسطيني الشتات , فأغلبهم نسيَ وطنه الأم وذاب في المجتمعات التي قدر أن يكون فيها .
الكويتيون تشردوا بسبب الغزو وابتلاع بلدهم من قبل النظام البعثي في العراق في صيف سنة 1990 حيث أنه من المعروف أن أغلب عوائل أهل الكويت يقضون إجازة الصيف في بلدان العالم المختلفة ومن كان داخلها أبان الغزو خرج الي دول الجوار ومن ثم الي أنحاء المعمورة ولكن الكويت إستثناء فقد تم تشريد الشعب هم وحكومتهم وعلى رأسهم الأمير وولي عهده ولكن لفترة وجيزة لاتقل عن سبعة أشهر ولا تزيد عن سنة بشكل عام كانت كفيلة بجلب وكسب عادات وتقاليد وأطباع لم يعتد عليها الشعب الكويتي , أغلبها سيئ فما بالك بالشعوب التي هجرت من أوطانها منذ عشرات السنين .
عراقيون تشردوا الي أنحاء العالم سواءً هربا من حزب البعث الملحد أو الحرب العراقية الإيرانية ثم الاحتلال الأمريكي ثم احتلال الملالي ( ثم من جرف الي دحديره ) الي أن أجهز عليهم الاحتلال الداعشي الصفوي الأمريكي الماسوني العالمي .
السوريون تشردوا بسبب قيام حزب البعث السوري الملحد النصيري قبل أكثر من أربعين عاما ( سمه ما شئت فكل الأسماء القذرة والوضيعة مفصلة تفصيلا دقيقا لهم ) فالخطأ كل الخطأ من يعتقد أن الشعب السورى تشرد منذ خمس سنوات فالسوريون تم تشريدهم عن مجتمعاتهم وعن أسرهم منذ أن سلم حافظ نعجة الجولان الى إسرائيل مقابل استمراره بحكم سوريا وقمع الشعب السوري وتشريده الى دول الجوار بطريقة ممنهجة ومخطط لها من قبل الصهيونية العالمية ( الحليف القوي له في المنطقة ) وتصدير الشعب السوري الى دول الخليج والعالم العربي بحجة العمل والعيش وأنه لا يمنع شعبة من السفر للخارج لكي يظهر بالمظهر الحسن لدى العوام من الشعب السوري المغلوب على أمره ,( فهل سمعنا عن مواطن سوري ينتمي الي حزب البعث الإشتراكي أو شبيحتهم يعمل خارج سوريا ؟ قطعا لا ) وأيضا بشرهة كبيرة على حكوماتنا بل أنه واجب علينا استقبالهم وتوفير فرص العمل لهم بإعتبار ذلك من باب توزيع الثروات على العالم العربي وأنه لزاماً علينا وأنه من حقوقهم الثابتة والتي نقر بها سواءً رضينا أم أبينا ( المشكلة أنهم مفهمين شعوبهم هذا الفهم المنحرف من خلال إعلامهم الفاسد والعميل ) وما يحصل الآن هو خير دليل على مانقول فهذا النظام قد امتهن تهجير الشعب السوري منذ أن تولت هذه العصابة زمام الحكم وأمسكت دفة الأمور ولكن الفرق بين الأمس واليوم أنه بالأمس يدس السم في العسل واليوم لاعسل ولا سم بل علنا التهجير أو الموت .
اليمن تشردوا أيضا بسبب النظام الفاشي الذي لا يصلح أن يحكم اليمن والذي لا يميز بين أعداء الأمس وأصدقاء الأمس فأعداء الأمس مازالوا أعداء اليوم وأعداء الغد أيضا , وأصدقاء الأمس هم أصدقاء اليوم وأصدقاء الغد , هذا النظام الذي لم يستطع طيلة هذه السنين من الحكم من سحب السلاح من الشارع ومنع المخدرات من التداول علنا .
أما الأردن فقد أصبحت بلد المليون مشرد بامتياز والله لا أعرف هل تجدها من العراقيين أو السوريين أو اليمنيين أو الفلسطينيين أم تحتضن أبناء الأردن الله المستعان .
ليست المشكلة في كل هذا بل المشكلة الكبرى والتي فعلا مشكلة القرن وأنا لا أبالغ في هذا لأن كل ماحصل في الخمسة سنوات الماضية تعدي حدود الزمن بالنسبة للخمسين سنة الماضية بل إننا نسير بسرعة الضوء الي الأمام المجهول , نعم " المجهول " بمعنى الكلمة فالأحداث التي نمر بها لايمكن لنا أن نتوقف عندها ونرصدها ونحلل مجرياتها وأحداثها ودراستها برويه والإستفادة منها لكي نتخطى العقبات المستقبلية فالأحداث تتابع علينا بسرعة كبيرة لدرجة الإرباك الفعلي لحكومات المنطقة وشعوبها والتخبط في إتخاذ القرارات وذلك على أعلى المستويات لأصحاب القرار الي أدناها من أرباب الأسر .
قد يقول البعض أني أبالغ بما أقول ولكن قف معي لحظة وبشكل سريع وبدون تفاصيل تذكر !
يجب ان تعلم عزيزي الخليجي أنك على شفى حفرة من الفوضى العارمة الفوضى المفتعلة من قبل أعداء الأمة أعداء الاستقرار أعداء السلام والسكينة والطمأنينة والهدوء والعيش الرغيد أنك على أبواب لو فتحت لأصبحت في خبر كان .
لك عزيزي الخليجي أن تعرف وتعي أن حدودك الشمالية من البصرة على شط العرب في خليجنا العربي الي حدود أنطاكيا في تركيا علي البحر الأبيض المتوسط هي مناطق أشبه مايمكن أن تشبه بالغاب التي يسودها القتل والدمار والخراب والجوع والخوف والجهل والأمراض والأوبئة البدنية , وحتى الأمراض والأوبئة الفكرية قطعا أكثر مايدمر الأمم والشعوب من هم مرضى فكريا سواءً جنون العظمة أو جنون الإنتقام والتطرف والحسد والكره والحقد على ما أنت علية , فهم ينتظرون ساعة الصفر لينقضوا عليك وينهبوا بلادك وخيراتك ويجعلونك تحت أقدامهم إن لم تكن تحت التراب , لأنه وبكل بساطة نفذ مالديهم من حضارة وعمارة وتمدن ونهبت ثرواتهم وتدمرت مدنهم وأصبحت أطلالاً تجوب جدرانها وشوارعها رائحة الموت , وتعاليم الجهل حتى حضاراتهم " كحضارة بلاد الرافدين وبلاد الشام " والتي كانوا يتباهون فيها لدى الأمم والشعوب قد دمرها الداعشيون وما بقيَ دكه طيران التحالف أو القتال فيما بينهم ( كما حصل في قلعة الحصن في حمص وأسواق حلب القديمة ومدينة تدمر التاريخية ومدن العراق التاريخية من الجنوب الي الشمال ولا أنسي طبعا متحف بغداد سنة 2003 الذى تم نهبه عند دخول الأمريكان فقد كان نهبه كارثة بمعنى الكلمة ).
هذه البلدان التي تقع شمال الخليج كالعراق وسوريا ولبنان والتي تحتوي علي ملايين البشر ,أي مايقارب الثمانين مليون نسمة مع أقل تقدير مضى عليها من الزمن مايقارب الخمس سنوات وأكثر وهي غارقة بالدماء والقتل بدم بارد لايفرقون بين طفل ولا إمرأه ولا كهل , القوي يأكل الضعيف إن لم تنم قاتلا سوف تصبح مقتولا , إن لم تكن سارقا تصبح مسروقا ,إن لم تكن مجردا من جميع صفات الإنسانية تصبح مجردا من كرامتك وعرضك ومالك وحلالك وبنوك وجميع من يؤووك.
هذه الملايين من البشر التي مضت عليهم السنوات الخمس والتي أرجعت تلك الشعوب والمجتمعات خمسون سنة من التخلف إن لم تكن أكثر ماذا سيحل بهم بعد ماتدمر مدنهم وبلداتهم وقراهم , وتهتك أعراضهم ويهجر من يهجر ويقتل من يقتل ويخرج لنا جيل إن لم يكن قد خرج الآن مشبع برائحة الموت ينام ويصحي عليها , قد تربي على القتل والهدم لا البناء والعيش , تعلم مسك البندقية والرصاص لا القلم والورق , القسوة والإنحلال لا الرحمة والشرف , يعني من كان عمره خمسة عشر عاما وقت إندلاع القتال في سوريا أصبح عمره الآن عشرون عاما لاتعليم ولا تربية ولا أخلاق , يعمل قاتلا مأجورا لأحد المليشيات المتطرفة , وعلى هذا القياس من كان عمره عشرون عاما الآن أصبح خمسة وعشرون عاما سفاحا قتل الرجل والكلب واحد عنده , ومن كان عمره خمسة وعشرون الآن أصبح ثلاثون عاما رئيس عصابة يتحكم في أربع أو خمسة قري يصول ويجول فيها بأحكام تخضع لهواه هو وأتباعه ماأنزل الله بها من سلطان , وهكذا هلما مجره الى أن يصل بك المطاف الى بشار والبغدادي والمالكي ونصر اللات ومن ثم تخرج من دائرة الشرق الأوسط الي طهران وموسكو وواشنطن .
هذه البلدان سوف تنتهي الحروب فيها ولكن متى ؟ وأين سوف تذهب تلك الشعوب المجيشة والمحرومة ؟
سوف تتجه جنوبا لأنك الحلقة الأضعف فى الدائرة المحيطة بهم ومما لاشك فية أن الشمال توجد دول قوية تحتمي بحلف الناتو ومن يوجههم ويتحكم بهم ويقودهم فى جهة الشرق والغرب من تلك المناطق الموبوءه سوف يكون الإتجاه اليك أيها الخليجي المترف بنعمة الأمن والأمان وتوفر وسائل العيش الرغيد , إنه لن يتجه اليك طالبا يد العون أو العطف أو الشفقة أو الرحمة ليس لأنه لايريدها بل إنه حين إذٍ لايعرفها فلم يتعود بأن يطلب يد العون بل كان يأخذها غلابا بقوة السلاح وقد ماتت عنده العواطف فهو لايحس تجاهك بأي عاطفة أخوة أو نخوة ولن يشفق عليك لأنه لم يشفق علي أبناء بلدة ووطنة ولن يرحمك لأنها وقت إذ , قد نزعت الرحمة منه فهو أشبه مايكون برجل كهف .
دائما هناك منتصر في الحروب ولكن بعد خمسة سنوات أخري أو عشر أو خمسة عشر سنة , الله أعلم متى ستحط رحالها هذه الحرب الضروس , التي جربت فيها شتي أنواع الأسلحة سواءً مايقتل مباشرة أو يقتل نفسيا أوخوفا أو رعبا من أسلحة الدمار الشامل أم الصواريخ البالستية أم ماصنع محليا من قبل الميليشيات المتحاربة , في كل الحالات المنتصر سوف يكون همجيا قاسيا لايعرف إلا لغة الحرب والقتل والدمار ولن يستسيغ من الألوان إلا اللون الأحمر .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حمد بن عبدالله المسعر
أكثر