التاريخ السياسي لامارة آل فضل الطائية في جبلي طيء( الجزء الاول )
التاريخ السياسي لامارة ال فضل الطائية في جبلي طيء( الجزء الاول )
يجمع المؤرخون على ان الفترة الممتدة مابين عام 500هـ الى عام 850هـ من تاريخ نجد هي من اشد الفترات تعتيماً وغموضا يقول الدكتور فهد الدامغ في وصفه لتلك الحقبة الزمنية الغامضة بأنه((تصيد للشذرات المبعثرة والافادات المبددة ثم الربط بينها وتحليلها واستجلاء دلالاتها واستخلاص نتائج منها))
وفي حقيقة الامر نحن نبحث في هذه الفترة المظلمة من تاريخ نجد وعلى الرغم ان بحثنا يرتكز على طيء وشمر واسباب التسمية فأن منطقة جبلي شمر والمعروفة قديماً بجبلي طيء كان حالها كحال معظم بلدان نجد إلا انني ارى ان هذه العتمة والضبابية ازدات في تاريخ منطقة جبلي طيء وشمر في القرنين التاسع والعاشر الهجريين
وكنت قد ذكرت ان قبيلة طيء العريقة ظلت باقية في الجبلين من قبل الاسلام بحوالي 400سنة الى فترة القرن العاشر الهجري حيث برز بطن شمر وانضوت اكثر البطون الطائية تحت اسمه وظهرت لنا قبيلة شمر ببطونها الثلاثة المتعارف عليها حالياً وقد حدثت هجرات نسبية لبعض بطون طيء الى بلاد الشام والعراق ومصر خلال فترة الفتوحات الاسلامية لكن تعميم امر الهجرة على طيء باكملها هو امراً غير مقبول ومرفوض على الاطلاق ومن خلال بحثي المستفيض في المصادر التاريخية وجدت ان القرن السابع والثامن الهجريين أي بين عامي 600هـ الى عام 800هـ كانت امرة جبلي طيء هي بيد امراء ال فضل بن ربيعة الطائيين وقد برزوا بعد موقعة لينة سنة سنة 598هـ حيث اجتمعت قبائل طيء شيوخ ال ربيعة وال غزية لمواجهة قبائل بني عقيل فكان قائد طيء في هذه الموقعة هو سعيد بن فضل ومعه مانع بن حديثة ودهمش بن سند احد شيوخ غزية
فالمؤرخ ابن خلدون يسمي امرتهم بدولة ال فضل وسلاطين الايوبين والمماليك دعموا امراء ال فضل حيث كان لهم نفوذ كبير في نجد ودوراً بارزاً في حرب المغول والتتار ومن حالفهم من القبائل العربية وتلقبوا بالقاب شرفية شرف الدين وشمس الدين الخ وكان نفوذهم يمتد من الجبلين شمالا نحو العراق والشام وغرباً نحو المدينة المنورة ولقد استحوذ ال فضل بن ربيعة على مشيخة طيء وامرة العرب الرسمية واعتمد سلاطين المماليك على ال فضل وذلك بمهاجمة القبائل الموالية والمتحالفة مع المغول والتتار مثل ال عصفور حكام الاحساء امراء بني عامر ويشير الدكتور عبداللطيف الحميدان الى ذلك بقوله ((ان لهذا الصراع علاقة بالصراع القائم مابين التتار والمماليك الذين كانوا يسعون لكسب القوى القبيلة لما تتمتع به من اهمية عسكرية واقتصادية وهذا واضح في الاوامر من السلاطين الى ال فضل بتسهيل الطريق لهم )) وقد حرص ال فضل على مواجهة القبائل الخارجة عن سلطة المماليك طوال فترة القرن السابع من 600الى 700هـ
ويبدو لي ان ال فضل امراء ال ربيعة كانوا يعتمدون على بني لام في جبلي طيء فهم كما يشير ابن خلدون انهم من ذرية اوس بن حارثة بن لام الطائي ومساكنهم عرفت بالغوطة الارض المنخفضة في غربي جبل اجا وتعرف بغوطة بني لام وكان لهم سطوة حيث قتلوا سنة 624هـ الامير قاسم بن مهنا وهو من امراء المدينة الاشراف كما قتلوا خليفته الامير شيحة بن هاشم سنة 647هـ واضطر الامير منصور بن جماز امير المدينة سنة 700هـ الى عقد صلح معهم مما يدل على ان بني لام كانت لهم سلطة كبيرة وامارة في الجبلين مدعومة من امراء ال فضل وسلاطين المماليك
واستمر ال فضل امراء طيء في الحكم والامرة وظهر منهم كما اشار اخي الاستاذ الباحث خالد حميد الاسلمي (الامير مهنا بن عيسى الذي مات بحصن مانع بنجد سنة 764هـ وله ابنين هما فياض وحيار الذان التقى بهما الرحالة ابن بطوطة في فيد ويشير الاستاذ ايمن سعد النفجان الى ان ال فضل زال حكمهم بعد وفاة محمد بن حيار ال مهنا الملقب بنعير سنة 809هـ ومن ذلك نستطيع القول ان امرة ال فضل في جبلي طيء كانت في القرن السابع والثامن أي من عام 600هـ الى 809هـ ومن بعدها اصبح هناك قوامات وحروب بين البطون الطائية لانعلم تفاصيل سياقاتها التاريخية لانعدام التدوين غير انني اؤكد ان القرن العاشر الهجري حدثت فيه احداث هامة من ابرزها انحسار النفوذ الطائي عن المناطق التي تقع غرب وشمال الجبلين وعودة بعض بطون طيء الى عرينها الشامخ الجبلين والدخول في حروب ومنازعات مع الزبيديين حلفاء طيء وقد اكد العزاوي يرحمه الله الى ان هناك انقسام وخصام بين البطون الطائية قبل جلوة بهيج العبيدي ويبدو لي ان هذا الخصام كان بين الطائيين المحالفين لبهيج وبين الطائيين الذين بقوا خارج هذا الحلف ولكن هذا الخصام لم يستمر وعادت البطون الطائية للوحدة بسبب تجاوزات قوم بهيج على الاملاك في اودية جبل اجا وتوحدت تحت اسم البطن شمر الذي قاد الصراع ضد بهيج فظهرت لنا قبيلة شمر ببطونها الثلاثة
و تشير الدلائل التاريخية الى ان منطقة جبلي شمر والمعروفة قديماً بجبلي طيء كانت خاضعة لحكم ال فضل بن ربيعة الطائيين في القرن السابع والثامن الهجري أي بين 600هـ الى عام 809هـ وربما قد يكون لهم نفوذ قبل تاريخ 600هـ لكنه نفوذاً ضعيفاً وقد وجدت ان نفوذهم في جبلي طيء ازداد واصبح قوياً في فترة حكم الدولة الايوبية ودولة المماليك نظراً لدعم تلك الدول الاسلامية لامارة ال فضل بن ربيعة الطائيين في بلاد الشام والعراق والحجاز وما بينهما من اماكن مثل منطقة جبلي طيء والتي تقع في مكاناً هاماً واستراتيجي بين الشام والعراق والحجاز وتمر بها طرق القوافل التجارية والحجاج وتعد بلدة فيد من اهم المحطات التجارية التي تقع على طريق الحج والتجارة ((درب زبيدة)) وبها اسواق كثيرة وبرك ماء يتزود بها الحاج والتاجر
والحقيقة ان نفوذ ال فضل بن ربيعة في جبلي طيء بدأ مع بداية القرن السابع وازداد في القرن الثامن الهجري صحيح ان هناك امارة طائية في بلاد الشام وفلسطين تتمثل في اجداد ال فضل (ال جراح) في سنة 360هـ وتوطدت بعلاقاتها الحسنة مع الفاطميين وكان مركزها في مدينة الرملة الفلسطينية إلا اننا لم اجد مايفيد ان لال جراح اجداد ال فضل أي نفوذ في جبلي طيء
وعلى اية حال اصبح ال فضل امراء العرب فكل القبائل التي تقع في المنطقة مابين الشام والعراق والحجاز هي تحت امرتهم وكانوا يسمون بعرب البرية والطاعة ولقد اعتمد ال فضل على القبائل الطائية المتحالفة معهم في الغالب وهم ال غزية ولام ونبهان وال فرير (اهالي الحفير سابقاً والذي ذكرهم ياقوت عندما زار جبلي طي في القرن السابع) وزبيد وشمر ومذحج وغيرهم من القبائل الاخرى في تحقيق الاستقرار وضبط الامن لطرق المواصلات الهامة التي تمر بارض الجبلين (طريق الحج الشامي وطريق الحاج العراقي(
ولاشك بأن ال مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة والذي منحهم سلاطين المماليك لقب شرف الدين وحسام الدين وشمس الدين الخ وابنائه فياض وحيار كان لهم دور مباشر في الاشراف على سير القوافل التجارية والحجاج ووجوب ضبط الامن والاستقرار على هذا الطريق الحيوي والهام فقد ذكر الرحالة ابن بطوطة سنة725هـ انه التقى فياض وحيار ابناء شرف الدين مهنا في فيد وقال((التقيت باميرين من امراء ال ربيعة الطائيين هما فياض وحيار ابناء الامير مهنا بن عيسى ومعهما من خيل العرب ورجالهم من لايحصون كثرة فظهر منهم المحافظة على الحجاج والرحال والحوطة لهم)) وواضح من رواية ابن بطوطة ان الاميرين كانوا في مهمة رسمية تتمثل في ضبط الامن في هذا الطريق حيث حرص سلاطين المماليك على راحة الحجاج والتجار وذلك بدعم ال فضل بالرواتب والهبات والاقطاعات والمناصب القيادية وكانت حالة الطريق المستتبة مرتبطة بحسن علاقة ال فضل بسلاطين المماليك فعندما تسوء العلاقة ينعدم الامن وتكثر عمليات السلب والنهب والقتل لذا حرص سلاطين المماليك على استمالة ال فضل وارضائهم بالرواتب والاقطاعات والهبات حرصاً على سلامة طرق الحج
تبين لنا مما سبق ان امراء ال فضل بن ربيعة الطائيين كان لهم نفوذاً واسعاً وقوياً في المناطق التي تقع على طرق الحج والتجارة مثل حائل والعلا وخيبر وتيماء ومايسمى بشمال الحجاز او برية الحجاز وتحديداً المناطق التي تقع شمال المدينة المنورة ومن الواضح ان قاعدة و ثقل ال فضل كان في بادية الشام والعراق وكانوا يعتمدون على القبائل الطائية مثل بنو لام وبنو نبهان وبنو عزية وبنو فرير وزبيد ومذحج الخ في مد نفوذهم وسيطرتهم على هذه المناطق
ومن المعروف لنا ان بني لام ) الفضول والمغيرة والكثير) كانوا اصحاب قوة ونفوذ في حائل والعلا وتيماء ومنازلهم في غرب اجا وتحديد بالغوطة التي كانت تعرف بغوطة بني لام بل ان قوتهم امتدت لتشمل مناطق اخرى في شمال المدينة كالعلا وتيماء ويشير الحمداني الى ذلك بقوله( ان بني لام منازلهم في المدينة الى الجبلين وينزلون اكثر اوقاتهم المدينة(
وقد ذكر ان بني لام داخلون في امرة بني ربيعة الطائيين من عرب الشام كما ان بني غزية الطائيين كانت منازلهم على امتداد طريق الحج والتجارة العراقي درب زبيدة مثل زرود والثعلبية وفيد ولاشك بأن ال فضل امراء العرب اعتمدوا على احلافهم من القبائل الطائية في بسط نفوذهم على طرق التجارة والحج طريق الحج الشامي الذي يمر بتيماء والعلا وطريق الحج العراقي الذي يمر بزرود والثعلبية وفيد الخ
وانني ارى في الحقيقة ان نفوذهم زاد في القرن الثامن 700هـ الى 800هـ خصوصاً في مناطق شمال الحجاز انفة الذكر بدليل مرافقتهم لقوافل التجارة والحج بتكليف من سلطة دولة المماليك التي كانت تسعى الى ضبط الامن والاستقرار وذلك من خلال استمالة ال فضل وتقديم الدعم المالي والعدة والعتاد وكان هاجسها هو سلامة الحجاج والتجار في رحلتهم الى مكة وكنت قد اشرت الى ان الرحالة ابن بطوطة التقى بفيد سنة 725هـ بابناء الامير شرف الدين مهنا بن عيسى وهما فياض وحيار ومن الواضح انهما كانا في مهمة رسمية تتمثل في الاشراف المباشر على عملية ضبط الامن في هذا الطريق الحيوي
بقلم الاستاذ
فايز بن عواد الثنيان
باحث ومؤرخ
وهذه المعلومات القيمة ويعطيك الف عافية
ننتظر المزيد والجديد منك .
دمت بخير وعافية
نتابعك بصمت لاتبخل علينا
الى الامام
كل الحب والتقدير لشخصك النبيل
دمت بخير اخي العزيز الزميلي
مقال جميل بمعلوماته المهمة وعرضه المتميز ولا أخفيك أنا مقالك أضاف إلى رصيد معلوماتي معلومات جديدة ومهمةخصوصا عن هذه الحقبة التي تحدثت عنهاوأنا أنتظر بفارغ الصبر ماتبقى من أجزاء هذه السلسلة الرائعة ..
دمت بحفظ الله ورعايته.
تحية عطرة
اشكر لك قراءتك الواعية لهذا البحث ونحمد الله انك استفدت من هذا البحث خصوصا انه يتحدث عن حقبة غامضة في تاريخ جبلي طيء والمعلومات عن هذه الحقبة في المصادر المكتوبة نادرة وشحيحةوتأخذ شكل الاشارات البسيطة التي تفتقد السياق التاريخي والباحث والمؤرخ لابد له من استخدام ادوات البحث التاريخي (الربط والمقارنة والاستنتاج والتحليل ...الخ حتى تتضح الصورة اكثر
اما الجزء الثاني سوف اضعه بين ايديكم في الايام القادمةوقدعملت من خلاله على توضيح بعض النقاط التي لم اذكرها في الجزء الاول وقد نرى ان هناك نقاط مكررة لكن الهدف من هذا البحث هو اعطاء صورة عن حالة جبلي طيء في هذه الحقبه وعن الوضع السياسي والاجتماعي الفبلي الطائي في الجبل وسوف اعمل بحول الله على زيادة معلوماتي اكثر من خلال الاطلاع على مصادر اكثر وبالتالي عمل مسودة طويلة تكون نواة لكتاب في السنوات القادمة
لك شكري وتقديري
اخي الاستاذ فايز عواد الثنيان
وتقبل مني جزيل الشكر والتقدير
ودمتم
تقبل تحياتي واحترامي