هل أنت مثقف ؟
هل أنت مثقف ؟
كثيرا مانسمع كلمة مثقف وكثير من الناس يعتقد أن من يقرأ الجريدة اليومية أنه مثقف أو من يعيش في المدينة أنه مثقف , دعوني أستوضح أمرا . هل المثقف من يستطيع حل المشاكل التي تواجهه أو من يعرف القراءة والكتاب أو من يمسك كتابا يقرأ فيه أو من يصل الي الدرجات العليا من العلم كالماجستير والدكتوراة .
في البداية دعونا نضع كلمة مثقف بإطار عام يكون شامل للكلمة ثم نأتي الي المصطلح العلمي المختصر .
في الإطار العام : كلمة مثقف هي كلمة تطلق عادة على شخص ما قد تم إستحسان حديثة حيث تبين للمستمع أمور كانت خفية علية أو غائبة عن ذهنه أو أنها طرحت له من قبل ذاك المثقف بطريقة جديدة ومبتكره حازت على إعجابه وانبهاره .
وفي المصطلح العلمي المختصر مثقف تعني (( الشخص الحاذق الذكي السريع الفهم )) .
والسؤال الآن والذي هو عنوان المقال هل أنت منهم ؟ أي هل أنت مثقف ؟
لكي تعرف أنك إنسان مثقف أم لا ؟ يجب عليك أن تقيس نفسك بنفسك , في معايير معينة أو تقريبا شبه ثابتة .
وهذه طبعا معايير من وجهة نظري الشخصية والتي من المؤكد أن هناك من يختلف معي بوضع تلك المعايير .
فأول هذه المعايير وآخرها هي (( الفكر )) .
وأنا تعمدت إختيار كلمة معايير بإسلوب الجمع لأن الفكر بحد ذاته يحتوي على أفكارعديدة لا حصر لها قد تغير مجري حياتك الشخصية وحياة من حولك بل قد تغير حياة البشرية جمعاء والأمثلة كثيرة لاحصر لها .
وما أقصده بالفكر هو أنك تؤثر بمن حولك بما تفكر به أنت , وذلك هو أن تكون مخرجات فكرك مؤثرة وفعالة على الآخرين بغض النظر عن مصداقيتها أو لما تؤول إلية النتائج بعد تطبيق الآخرين لها , وبدقة أكثر هو أن تؤثر بمن حولك بأن يتخلوا عن أفكارهم وثقافتهم ( ولو بشكل مؤقت ) , أو التخلي عن الأفكار المهترئة لديهم ويستبدلونها بما لديك من فكر وثقافة بعد إقتناعهم بها .
وأصحاب الفكر المؤثر كثر , فالشاعر يعبر عن ثقافتة على شكل كلمات تتناغم مع بعضها البعض لتوثيق حدث ما سواء كان هذا الحدث حزين أو سعيد فقوة ثقافة الشاعر أو ضعفها هي التي تعطي للحدث إهتمام المستمعين من عدمه .
والحكيم والفيلسوف والكاتب وعلماء الدين والعلماء الدنيويين وأساتذة الجامعات وغيرهم كثير , كل على حسب عمق ثقافتة يكون التأثير على الأخرين .
بل أن هناك من الناس لم يدخلوا جامعات ولم يتتلمذوا على يد عالم أو شيخ أو ماشابة ولكن أعطاهم الله ملكة الخطابة وفن إنتقاء الكلمات المؤثرة والرنانة واللامعه , والتي قد تكون بمثابة السحر السريع المفعول والفتاك على عقول المستمعين .
فإختلاف ثقافات البشر تنبع من إختلاف منابع تغذيتها وعراقتها وتنوعها .
فإذا كنت ممن أعطاهم الله علم النظريات العلمية ولغة الأرقام , فهذا معناه أن ثقافتك جافة لا طعم لها ومباشرة وليس فيها لف ودوران , يعني مثل (( الشاي اللي مافيه سكر )) لايصلح إلا لفئة معينة من البشر, فأبشرك أن تأثيرك على الآخرين سيكون محدودا .
أما إذا كنت ممن أعطاهم الله علم الأدب والفنون واللغات , أي أن ثقافتك دسمة وثقيلة على كثير من الناس العوام لأنك عندما تتكلم سوف تستفيض وتفيض وتغرق من أمامك بغزارة فـنــك سواء كان شعرا أو فن خطابة أو سوالف وروايات أو تاريخ أو علوم خارج محيط وبيئة المستمع لا علاقة لهُ بها , وليس لها أهمية عنده وبذلك تكون ثقيل دم وقد يصفك عوام الناس بالثرثرة ولا يمنع ذلك بأن كثير من العوام يستمتع بما تقولة ليس إستحسان وفهم كل ماتقول ولكن فقط لأنه تعب من النظر لجواله بل أكيد أنه قد نفذت بطارية جوالة .
أما إذا كانت ثقافتك فضائية يعني ممن (( يركبون الموجه )) وعايش يومك ومعاهم معاهم وعليهم عليهم يعني (( إمعه )) , وتعرف تضرب على الوتر الحساس في المجالس وتعرف كيف تدغدغ مشاعر الحضور , يعني تتحدث بحديث الساعة و حدث اليوم و حدث الأسبوع أو حديث الشهر , ذلك أنك تجيد (( ثقافة الحدث )) فألف ألف مبروك فقد أصبحت (( ببغاء )) تقول وتردد كل مايقال بإسلوب لبق ومميز يشد إنتباه الحضور , فاعرف أن ثقافتك ثقافة فضائية لأنك بكل بساطه وإنسيابية سوف تكون واضح للمثقفين الفعليين وأصحاب الإختصاص , فـعنـد إنقطاع البث عن المحطات التي تستمد معلوماتك المؤقته والغير موثوق فيها سوف تنقطع إشارة البث لديك وتكون كالجماد في المجالس يعني إنت والمركا والطفايه واحد (( رسيفر خربان )) , مثل هذه الثقافة المنتشرة حاليا يستأنس فيها العوام (( اللي طايرين بالعجة )) , وهؤلاء مجرد ماتناقشهم عن المواضيع التي يتكلمون فيها تجدهم مباشرة ينتقلون إلي مواضيع أخري (( يعني يطلع من موضوع ويدخل بموضوع آخر )) , وإذا حشرته بزاويه علشان توصله المعلومه بالشكل الصحيح تجده يقفل معك (( يعني مستوي تفكيره يصل الي مرحلة ثم يقف عند حد معين لايستطيع أن يرتقي لمستوى الفكرة التي تطرحها أنت )) (( يذكرك بالويندوز 98 إذا تبي تشغل عليه ملف HD )) لأن معلوماته سطحية وفقاعات إعلامية سمعها ورددها .
وهذه الفئة خطيرة ويجب الحذر منها , وإذا كنت منهم إحذر أن تستمر بل يجب عليك تعديل مسارك في الإتجاه الصحيح , لأنهم ببساطة ينقلون ويطبقون خطط لمنظمات ودول يقف وراءها أعداء الدين والوطن من علمانيين وليبراليين وممن يخدمون الماسونية ومن يريدون الضرر بالأوطان من دون أن يشعرون .
فهم يثيرون الشارع ضد ولاة الأمر وبين أبناء الوطن وبين الأخ وأخاه وتقسيمهم وإضعافهم وإثارة الفتنة ومن ثم تقوم المنظمات والدول بالإنقضاض عليهم بحجة حفظ مصالح الشعوب أو مساندة الشرعية أو حتي حماية حقوق الإنسان .
فتصبح أنت وإخوتك في الوطن عبيد تحت وطأة وأقدام المحتل , الذي لن يخرج من البلد إلا بعد أن يقتل ويهتك الأعراض ويشرد الأسر والشيوخ والنساء والأطفال ويستنزف ثروات البلد عن بكرة أبيها , هذه بإختصار شديد (( الثقافة الفضائية )) وأعوذ بالله من هذه ثقافة .
وهناك فئات من المثقفين تكون ثقافتهم في إتجاه ثابت وذات عمق ومختصرة (( يعني يعطيك الزبدة )) وأنا شخصيا أحترم هذه الفئة لأن ثقافتهم خلاصة تجاربهم ومن بنات أفكارهم شخصيا .
فالمؤلف عندما يتباها ببنات أفكاره التي لم يسبقه إليها أحد وهذا ما أقصد بإتجاه واحد أي أنه لايتكلم بكل شئ بل يكون كلامه فيما ألف من كتب وكتاباته من مقالات وما حضرة من ندوات وأنواع معارض الكتب التي زارها , كذلك الشاعر تفيض قريحته ويتحف الحاضرين بما أنعم الله عليه من قصيد فيها مواعظ ومواقف جميلة ترفع معنويات الحاضرين وتعطيهم الثقة بالنفس , كذلك الحكيم إذا سئل أجاب الجواب الكافي الوافي .......الخ .
ولكن السؤال الحقيقي والذي يجب أن تجيب عنه أنت هو :
هل أنت مثقف ؟
هل أنت ممن فهم ثقافة البيئة المحيطه به واستطاع أن يتفاعل معها بشكل إيجابي وأصبح عنصر فعال يؤثر ويتأثر ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقلم / حمـد عبدالله المســعر